التنافر المعرفي

عندما تختلف أفكارنا مع أفعالنا

-إن كانت التوترات والصراعات والمعضلات التي لا يمكن حلها هي بهارات كل ثقافة، فيجب على كل إنسان منتم إلى ثقافة معينة أن يحمل معتقدات متناقضة وأن يكون ممزقا بين قيم متعارضة. إنها ميزة أساسية في أي ثقافة لدرجة أن لها اسما هو: التنافر المعرفي. يعتبر التنافر المعرفي غالبا قصورا في النفس البشرية، وهو في الحقيقة أمر ثمين وحيوي فلو كان الناس غير قادرين على التشبث بمعتقدات وقيم متناقضة فلربما كان من المستحيل تأسيس ثقافة بشرية والحفاظ عليها…-.كتاب العاقل

حسب عالم النفس الاجتماعي فيستينغر سنة 1957، التنافر المعرفي هو عبارة عن اضطرابات نفسية يعاني منها الفرد عندما يفقد التوازن بين ما يعتقده وما يقوم به؛ هو حالة من التوتر والإجهاد العقلي أو عدم الراحة التي يعاني منها الشخص عندما يحمل أفكارا ومعتقدات وقيما متضاربة فيما بينها… وكلما زاد مقدار المدركات كلما زاد التنافر.

فما بالك في عصرنا الحالي وسط هذا الكم الهائل من المعلومات والأفكار والآراء والإيديولوجيات المختلفة التي يتلقاها الفرد كل يوم حيث يعتبر عصرنا الحالي من أكثر العصور انفتاحا على الحضارات والثقافات الأخرى.
فهل فعلا هذا التناقض والتضارب هو ما يحدث التغيير ويساهم في استمرارية الثقافات البشرية؟ أم على العكس قد يخلق فقط توترا واضطرابا وتزعزعا في القيم والمعتقدات وحسب؟

خطاطة التنافر المعرفي

-تماما كما تُعزَف اثنتان من النوتات الموسيقية المتشابكة معا لتَدفعَا مقطوعة موسيقية قُدما، كذلك يُجبرنا التضارب في طرق تفكيرنا وأفكارنا وقيمنا على التفكير وإعادة التقييم والنقد، أما التناسق فهو مرتع العقول البليدة- كتاب العاقل

حسب هذا الكاتب، فالتناقض ضرورة بشرية بل إنها محرك الثقافة، حيث لا توجد ثقافة تخلو من التناقضات والاختلافات فعلى سبيل المثال حتى أسمى القيم التي يراها الجميع أساسية كالحرية والمساواة فهما في الحقيقة متناقضتان…
ولو تعمقنا قليلا لوجدنا أن النفس البشرية مليئة بتناقضات عدة كانت ولا زالت محل تساؤل العديد من الفلسفات والدراسات، حتى أن كلا منا يجد في نفسه تناقضات وأفكارا متضاربة، وربما هذا ما يجاهد كل منا لأجل الحد منه، ليصل إلى التوازن والتصالح بين أفكاره ومعتقداته وسلوكياته، أي إننا جميعا نعيش أو ربما عشنا ظاهرة التنافر المعرفي، إلا أن هذه الظاهرة تزداد حدتها وتجعل الشخص يعيش في توتر وقلق مستمرين كلما كان سريع التأثر بموقف الجماعة والغالبية، أو إذا كان ذو طبيعة ترى العالم باللونين الأسود والأبيض فقط حيث طبيعة معلوماته تكون مطلقة وليس لديه مرونة فكرية لتقبل أراء مختلفة وجديدة عليه..

تعارض الأفكار والمعتقدات والأفعال

يقول هيراقليطس -الشيء الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير المستمر-، فالتغيير ضرورة حتمية وهو نتيجة التضارب والصراع الداخلي الذي غالبا يكون بسبب الرغبة في تحقيق التوازن. فكلنا تعرضنا إلى تغييرات عدة في مسارات حياتنا وربما أحيانا أجبرنا عليها ولو تأملنا قليلا في الخلق والكون وما حولنا للاحظنا أن كل شيء في تغير مستمر حتى أجسامنا، أفكارنا وقناعاتنا وهذا ما يضمن الاستمرارية والتقدم، والمطلوب فقط هو عدم الانسياق والتبعية دون دراية أو تفقه… يقول تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الآية 11 من سورة الرعد).

التنافر المعرفي

هدى البصري

تكويني الاكاديمي علمي لكن اهتماماتي ادبية القراءة شغفي و الكتابة نبضي .اهوى الادب بكل فروعه و اعشق الموسيقى و ارى الجمال في التفاصيل البسيطة من حولي و اجد في العزلة متسعا للتعرف على مكنوناتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *