خصلة ذميمة

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” هكذا صرح بها الله تعالى عن طريق القرآن الكريم، أن لا فرق بين عباده إلا بالتقوى و الصالح من الأعمال. إلا أننا سعينا جاهدين للتمييز بين بعضنا البعض، و تهافتنا على جرد اختلافاتنا جاعلين من اللون و العرق و الدين و الفكر( …)معاييرا لقياس هاته الاختلافات. غير آبيهن بما يخلفه هذا الفعل الشنيع، من آثار سلبية على حياتنا اليومية و على التاريخ بحد ذاته .

ما كان للعنصرية العرقية أن تظهر في بيئة اضمحلت فيها كل الفروقات بشتى أنواعها، و لم يعد يعطى لاختلاف المرء عن أخيه أي اعتبار، لكن الواقع شيء مغاير. ةفهذه المشكلة متجذرة فينا قدم الانسان على الأرض، لعل الشرارة الأولى لهذا الأمر بدأت في عدم تقبل الإختلاف في قصة الإخوة هابيل و قابيل، لتلتهب نارها فيما بعد كلما وضعنا صوب أعيينا اختلاف جديد بيننا هكذا وفرنا الظروف الملائمة لتستمر النار بين البشر، لنشهد ميلاد خصلة ذميمة لازالت ترافقنا إلى يومنا هذا رغم ما وصلنا إليه من تطور فكري و ثقافي…و هي ” العنصرية ”
لابد لك أنك صادفت إحدى الحملات الدعائية ضد التمييز العنصري أو شاهدت وثائقي يتحدث عن الأمر أو على الأقل، موقفا بين شخصين اتضح لك أن أحدهما عنصري، و مما لا شك فيه أنك أيضا استخدمت ألفاظا عنصرية في مواقف معينة بقصد أو بدونه .

لكوني من أصحاب البشرة السمراء كان من المحتم أن أتعرض لمواقف عنصرية، رغم أنني أعيش في بلد يتبنى دينا ينبذ مثل هاته التصرفات، إلا أنها لم تكن كفيلة بالحد من التمييز العنصري ضدي و ضد كل من يشاركني نفس اللون. بل إن التمييز بسبب اللون لم يكن الوحيد. بالعرق أيضاً ،وجد لنفسه موطأ قدم في حياتي. إلا أن هذا التمييز لم يكن بالحدة التي كان عليها التمييز بسبب اللون، مما ساقني للتساؤل مطولا حول هاته التصرفات، خاصة و أنه لا ذنب لي، بل إنها مجرد جينات و نسب مئوية من هرمون الميلانين هي كل هو ما يميزنا و جوهر هذا الاختلاف.

كما هو معلوم في الأوساط العلمية أن الميلانين ما هو إلا هرمون يفرز لحماية جلد الإنسان من أشعة الشمس. مما يعني أنه كلما كان المناخ الذي يحيى فيه المرء معتدلا كلما قلت نسبة إفراز الميلانين على مستوى الجلد. مما يعطي بشرة فاتحة و العكس بالنسبة للشخص الذي نشأ في بيئة ذات مناخ حار. إذ تكون أشعة الشمس المنبعثة أكثر حرارة و أكثر شدة،. مما يستوجب على الجلد إفراز نسب عالية من الميلانين، لحماية بشرة المرء من الحروق الجلدية بسبب الحرارة المفرطة، بما أن الأمر على هذه الشاكلة فلماذا كل هذا الخوف من الاختلاف؟

منذ القرنين 15 و 16 بدأت عملية استخدام الأفارقة السود كعبيد في مجموعة من الرقع الجغرافية، و للمغرب أيضا نصيب في ذلك،  من خلال ما يعرف تاريخيا بعبيد البخاري أو جيش البخاري ،هذا و دون إغفال القصة الأفظع تاريخيا و التي لازالت تلقي بظلالها على واقعنا المعاش. و لعل تأثيرها سيظل إلى الأبد. و هي قصة نقل السكان ذوي البشرة السمراء من إفريقيا كعبيد إلى العالم الجديد كما كان يعرف حينها.

إن هذا الحدث بالضبط رسخ في الذاكرة الجماعية لساكنة الأرض فكرة عبودية السود، حتى إن بعض القواميس اللغوية حينها كانت تضع كلمة عبد مرادف لكلمة أسود. ممهدين بذلك الى بزوغ نظرية الأعراق الغير متكافئة ، و التي تحث على أن الجنس البشري ينقسم الى أربعة أعراق أساسية، و أن العرق الأبيض هو العرق الأكثر تكاملا. في حين أن باقي الأعراق غير متكاملة خاصة العرق الأسود، الذي استخدموا كل الوسائل المتاحة لتصويره على أنه أقل كفاءة و نباهة من العرق الأبيض. قائلين أن ذوي البشرة السمراء لا يصلحون لشيء سوى للأعمال التي تحتاج قوة بدنية لأن هاته الأخيرة من مميزات العرق الأسود.

كان لعلماء الطبيعة من قبيل جورج لويس لوكلير دي بوفون و كارل فون ليني دورا في ترسيخ مثل هاته المفاهيم لدى العامة، و ذلك من خلال تقسيمهم للبشر إلى مجموعات استنادا على لونهم أو دينهم أو خصائص أخرى. إذ غالبا ما صور هؤلاء العلماء الإنسان الإفريقي على هيئة الحلقة المفقودة في سلسلة التطور، من وجهة نظر علمية بين الإنسان والقرد.
هذا و دون تجاهل التجربة الأمريكية مع عبودية السود و كيف أنها أدت إلى حرب أهلية و جراء ذلك الأمر نتجت انقسامات و تفرقة بين شعب نفس البلد. و حدث أن قام كثيرون بالمناهضة ضد هذا الفعل المشين من قبيل مارثن لوثر كينغ و آخرون. إلا أن الوضع لم يصبح أفضل حال من ذي قبل، حتى و إن بدت على البشر معالم التطور و الحداثة و أنهم أصبحوا أكثر تقبلا للاختلاف. بفضل تخالط الأجناس و الهجرات المستمرة للبشر. فنحن لازلنا نبحث عن اختلافات جديدة لنميز بها بين بعضنا البعض، فبيننا من يسخر من الآخر لمجرد أنه يستمع لنوع موسيقي لا تستهويه هو، و تجده دائما ما يؤكد على أن ذوقه هو الأفضل.

كل المواقف العنصرية تبدأ أولا بملاحظة نقطة الاختلاف و تسليط الضوء عليها. ثم تقييمها و بعد ذلك خلق هرم تسلسلي كما رأينا فيما يتعلق بالأعراق. لتمر بعد ذلك إلى مرحلة استخدام هاته الاختلافات ضد الآخرين، من أجل الاستفادة من ذلك. فالعنصرية هي تقييم الاختلافات لصالح الشخص الذي يقوم بالاتهام و ذلك على حساب المتهم جاعلا من نفسه الضحية لتبرير أفعاله. للتبسيط أكثر، نضرب المثال بالأفارقة القادمين من دول جنوب الصحراء و الذين أصبح وجودهم في مجتمعنا يتزايد. كمثال حي نشاهده بصفة يومية و كتعبير عن التناقض الذي نحيى فيه. لأن هذا التواجد المتزايد يدفع بالكثير منا إلى معاملتهم بالسوء، مبررين فعلهم هذا بقول أنهم قد استعمرونا في وطننا متناسين، وضع القول القائل أن الدين لله و الأرض للجميع. و إن لا شيء يفرق أو بعبارة أدق لاشيء يميزنا عن بعضنا البعض سوى الجينات. فنحن جميعنا ننتمي إلى الجنس البشري في آخر المطاف.

#مدونة_زوايا

#مجتمع

أيوب عزيزي

لست كاتبا لكني اكتب حين أشاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *