كمال كتاب الله

الكتاب المعجزة الشامل الكامل

لا يختلف اثنان على أن القرآن الكريم  هو الكتاب الوحيد  الذي أوتي الكمال والإتقان والإعجاز ما لم يبلغه كتاب آخر ولا قرب منه، حتى قيل  أنه عجز عن مجارات نظمه  الأدباء والبلغاء،وخضع  له العقلاء،وسلّم له الحكماء، وتمسَّك به الربانيون، وحكم به الملوك والرؤساء،واتخذه العباد والزهاد مؤنسا في الخلوات، واستنبط منه الفقهاء وأصحاب القانون ما به تحل مشاكل العباد و تدبر به أحوال الدول والأمم، وقعّد به علماء الفلك والاجتماع والنفس سننا وقواعد تضبطُ سير حركة الزمان والمكان والأنفس.

أما الفلاسفة فكان لهم  سبيلا للتأمل والتدبر وحاسما للإجابة على أسرار الكون،ولهذا كان وسيبقى معجزا من كل جوانبه، وهذه الحقيقة ليست متوقفة _أعني الإقرار  بأنه الكتاب الوحيد المعجز_ على المسلمين فقط بل أقرها المنصفون من الملل الأخرى، يقول الشاعر الألماني الشهير جوته:

إن أسلوب القرآن محكم سام مثير للدهشة … فالقرآن كتاب الكتب، وإني أعتقد هذا كما يعتقده كل مسلم … وأنا كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي

كانت هذه توطئة لما أود أن أسوقه في هذه الكلمات، والتي كان السبب في  تدوينها ما نقله أحد الفضلاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
مما أذكر أنه نقل نصا لأحد العلماء، وهذا النص  (لعماد الأصفهاني) رحمه الله؛  يقول فيه:
إنّي رأيتُ أنّه ما كَتَبَ أحَدُهُم في يَومِهِ كِتاباً إلاّ قالَ في غَدِهِ، لوغُيّرَ هذا لَكانَ أَحسن ولَو زُيِّدَ ذاكَ لَكانَ يُستَحسن، ولَو قُدِّمَ هذا لكانَ أفضل، ولو تُرِكَ ذاكَ لَكانَ أجمل،وهذا مِن أعظَمِ العِبر،وهو دَليلٌ على استيلاءِالنقص على جملة البشر“.
قلت: في هذا دليل على أن الكتاب الوحيد الذي كمل إتقانه، واستوت أركانه، وأجمل  إحكامه من كل الجوانب دون استثناء، وتنافست فيه أرقى العقول، ولانت له أصلب النفوس، وصلحت به أقسى القلوب؛
به فجرت المواهب طاقاتها، وأبانت عن  حسها الإبداعي؛ حتى  عرفت بالفطنة وصفاء الفطرة، وثوران العقل واللب لأن نظرها كان في الكتاب فصفى ومنه أبدع وأعطى.
لقد أفرغت الجهد وبذلت الوسع على التنافس فيه من أجل استخراج كنوزه ودرره وجواهره، لكنها مع كل ذلك بقيت عاجزة عن بلوغ كمالاته، وتجاوز أطراف بحره، بل لو كانت  العقول أبحرا، واجتمعت كلها ما استطاعت أن تستخرج ولو سرا من أسرار كلمة قرآنية واحدة، فما بالك بالقرآن كله!!
{قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّى لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِۦ مَدَدًا}[الكهف 109]
هيهات هيهات !!
و لعل السبب في ذلك أن هذا الكتاب كلامه فوق قدرة البشر، وصفاته تنافي صفات المشتغلين عليه، فهو متصف بالكمال وغيره متصف بالنقص والتقصير وهو بهم لصيق، ومرد العلم كله إلى الله، والإنسان عاجز قاصر، واعترافه متعين واجب، وهذا ليس قولا “بالصرفة” لأنها مقالة فاسدة، ومذهب فائل كما يقال، وإنما إعجازه سر من أسراره، ومحال أن يصل ويدرك العاجز كل كلام المتصف بالكمال المطلق  لأنه  كلام  الله.
هذا عن معانيه فما بالك باللفظ والأثر وهو وحدة لا تتجزأ
،  فالألفاظ والمعاني والأثر  كلها معجزة، وفي بيان هذا يقول  العلامة الطاهر بن عاشور في مقدمة تفسيره: (التحرير والتنوير): إنما وقع التحدي بسورة – أي: وإن كانت قصيرة – دون أن يتحداهم بعدد من الآيات؛ لأن من أفانين البلاغة ما مرجعه إلى مجموع نظم الكلام وصوغه؛ بسبب الغرض الذي سيق فيه من فواتح الكلام وخواتمه، وانتقال الأغراض، والرجوع إلى الغرض، وفنون الفصل، والإيجاز والإطناب، والاستطراد والاعتراض .. وإذ قد كان تفصيل وجوه الإعجاز لا يحصره المتأمل، كان علينا أن نضبط معاقدها التي هي ملاكها، فنرى ملاك وجوه الإعجاز راجعًا إلى ثلاث جهات:

الجهة الأولى: بلوغه الغاية القصوى مما يمكن أن يبلغه الكلام العربي البليغ من حصول كيفيات في نظمه مفيدةً معانيَ دقيقة ونكتًا من أغراض الخاصة من بلغاء العرب مما لا يفيده أصل وضع اللغة، بحيث يكثر فيه ذلك كثرة لا يدانيها شيء من كلام البلغاء من شعرائهم وخطبائهم.

الجهة الثانية: ما أبدعه القرآن من أفانين التصرف في نظم الكلام مما لم يكن معهودًا في أساليب العرب، ولكنه غير خارج عما تسمح به اللغة.

الجهة الثالثة: ما أودع فيه من المعاني الحكمية، والإشارات إلى الحقائق العقلية والعلمية مما لم تبلغ إليه عقول البشر في عصر نزول القرآن، وفي عصور بعده متفاوتة …
وقد عد كثير من العلماء من وجوه إعجاز القرآن ما يعد جهة رابعة هي: ما انطوى عليه من الأخبار عن المغيبات؛ مما دل على أنه منزل من علام الغيوب …


يتبع..

كمال كتاب الله -الجزء1-

Exit mobile version