في الكتابة

حسبك يا قلمي وأنت تسطُر أن تستحضر هذا المعنى الجليل لقول الرب الكريم، كي تفيض بلاغة وبيانا وتعكسني كيانا “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ“(العلق:١.٥)
ولْتكتفي الكتابة في ذاتها بهذا القول الجليل رفعة وهيبة لما يَنسب إليها من عظم شأن لا خفاء فيه ولا سرية…
والكتابة قبل أن تكون فعلا إنسانيا قائما، فإنها صفة ملائكية اتصفت بها الملائكة قبل خلق الإنسان بأمد بعيد، يقول تعالى:
وإِنَّ عَليْكُم لَحَافِظِينَ كِرامًا كَاتِبِين“(الانفطار:١٠.١١)
وقد تحدث الله عز وجل عن الكتابة في القرأن الكريم في غير ما آية ليجعلنا بذلك نبصر عظمة القرأن وما يسطر لذلك نجده سبحانه وتعالى قد أقسم بالقلم وسمى به سورة كاملة (القلم)
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ “(القلم:١)
فالكتابة شرف الكاتب، كما أنها تعد مرتبة عالية ينبغي السعي للوصول إليها، نظرا لكونه جل وعلا قد نسبها إليه، وهي صفة ملائكية…
والكتابة بما فيها من معاني روحانية مباركة كما ذكرت، فإنها عبارة عن تشكيلة سحرية مكونة في ذهن الكاتب سارية في عروق أنامله لِتُصير تلك الصور الباطنة المعقولةالمعنوية إلى صور ظاهرة…
ولربما نجد من أقوال السلف ما يعصر لنا هذه المفاهيم عصرا من خلال إطنابهم في مدح الكتابة. من ذلك قول سعيد بن العاص:”من لم يكتب فيمينه يسرى” وقال معن بن زائدة: إذا لم تكتب اليد فهي رجل” وغيرها من العبارات الكثيرة التي تصب في مدح هذا الفن البديع الجليل العليل المترنم بالعقول والأخاذ بالأرواح والنفوس من العالم المتاح للجميع إلى العالم الآخر الذي لا يتاح إلا لمن أحسن سرج خيله وامتطاه ومضى قاطعا الحدود مع الخيال لينغمس في ذاته وغيره وواقعه انغماسا…

فالكلمات مرآة … أحيانا يعكس بها الكاتب نفسه، وأحيانا أخرى يضعها ليعكس بها غيره وواقعه أو مجتمعه… ومن ثم لا نقول إلا كما قال المؤيد “الكتابة أشرف مناصب الدنيا بعد الخلافة، إليها ينتهي الفضل، وعندها تقل الرغبة
والكاتب هو ذلك الكائن الطيني الترابي الذي يأبى أن يظل ملتصقا بمادته ويرفض وجدانه إلا أن يسمو ويجنح بصورة معنوية نحو خياله الذي لا يقنع بالواقع المحسوس، والحقيقة أن هذا الجنوح لا يمكن أن يتم إلا بواسطة “عاطفته” فالعاطفة المركبة في الإنسان هي قناته الاتصالية بين ذاته الباطنة وجوارحه.
لذلك يقول النقاد “إن الخيال وليد العاطفة وهو الذي ينتج الصور الكثيرة التي تشيّع الروعة في البيان الأدبي

في الكتابة

Exit mobile version