عائشة الشنا

"تيريزا المغرب" التي وهبت ستين سنة من حياتها للدفاع عن قضايا المرأة والطفل

رحلت عن دنيانا المناضلة الحقوقية والفاعلة الجمعوية عائشة الشنا يوم الأحد 25 شتنبر 2022 عن عمر ناهز 82 سنة، بعدما نذرت عمرها للدفاع عن النساء والأطفال المنبوذين من طرف المجتمع واحتضانهم، وبعدما نالت التقدير الكبير من طرف الكل بسبب شجاعتها ونبل رسالتها وتضامنها وكونها مثال لإمرأة بألف رجل.

عقلية نضالية

“ايلا قاليك كنبغيك، قولي ليه حتى أنا ولكن شدي يدك عندك، لأنك إلا حملتي منو غادي تحملي المشاكل، والصعوبات وتخسري قرايتك وواليديك، وتخسري حتى الطفل اللي غاتجيبي للدنيا، اللهم حضي راسك”، كانت هذه كلمات عائشة الشنا التي رددت كلمات مشابهة طيلة حياتها التي كان النظال واحتضان النساء والأطفال عنوانها البارز.

ولدت عائشة الشنا أو “ماما عيشة” كما يحلو للنساء اللواتي يلجأن لها كلما ضاقت بهن الحياة، بمدينة الدار البيضاء يوم 14 غشت من سنة 1941، وترعرعت بين العاصمة الاقتصادية ومدينة مراكش، وعانت اليتم منذ طفولتها المبكرة بعد رحيل والدها وهي في سن الرابعة، بدأت معاناتها بعد منعها من طرف زوج والدتها من مواصلة الدراسة، لكن إصرار والدتها جعلها تتمرد على القرار دون علم الزوج، وأرسلتها للدار البيضاء من أجل التمدرس.

بدأت عقلية النضال والعمل الجمعوي تتبلور لدى عائشة منذ نعومة أظافرها، فكان انخراطها بداية شبابها الأول في العمل الجمعوي كمساعدة اجتماعية والتحاقها بالاتحاد النسائي العام بالدار البيضاء أولى لبنات نضالها الذي سيستمر طيلة حياتها.

تبني قضايا الأمهات العازبات

تقول عائشة أن الطفل المولود خارج إطار الزواج ليس له ذنب، فهو لم يرغب في الخروج إلى هذا العالم، لكن الواقع حتم عليه ذلك، وبغض النظر عن طريقة الحمل سواء عبر ممارسة الأم للجنس خارج إطار الزواج أم لا، أو تم اغتصابها، أو تمت في إطار زواج الفاتحة، فالطفل يجب أن يستثنى من كل الصراعات، مادام لاحول ولا قوة له.

أثناء مزاولتها لمهنة التمريض خلال عقد الثمانينات بإحدى المستشفيات بمدينة الدار البيضاء، حدثت واقعة جعلت عائشة تقرر بما لا رجعة فيه أن تهب حياتها للدفاع عن أمهات نبذهن المجتمع بسبب حملهن وإنجابهن لأطفال خارج مؤسسة الزواج، فقد كانت في المستشفى شابة صغيرة تقوم بإرضاع طفلها حديث الولادة، وفجأة قامت إحدى الممرضات بنزع الرضيع من والدته التي لم تكن تريد التخلي عنه لولا خوفها من نظرة المجتمع غير المتقبلة لفكرة وجود أم عازبة بين ظهرانيه.

مرور عائشة الشنا بأحد البرامج الإذاعية

علقت عائشة بخصوص الواقعة قائلة: “صوت بكاء الرضيع مازال عالقا في ذهني إلى اليوم وأقسمت حينها أنني سأقوم بمحاربة هذه الظاهرة”، فقد كان للواقعة الأثر الكبير في نفسها بحيث أسست جمعية التضامن النسوي التي ترأستها وكان لديها فضل كبير في حماية عدد كبير من الأطفال والأمهات التي تعانين من وضعية صعبة من التشرّد والضياع، بسبب إعادة منح الثقة للأمهات العازبات وتغيير نظرتهن لأنفسهن من جهة ونظرة المجتمع لهن من جهة أخرى.

تقول عائشة إنها عاينت حالات عدة لما يسمى بزواج الفاتحة، فعدد من الرجال أنجبوا ثلاث أو أربع أبناء مع نساء تزوجوهم بنفس الطريقة، لكن مع الأسف تم التخلي عن الأبناء، لتبقى الأم وحدها تواجه المتاعب بسبب ذلك.
استمرت عائشة في نضالها طيلة حياتها رغم سهام الاتهام التي تم توجيهها صوبها دوما ممن وصفوها بكونها تدعم اللقطاء والرذيلة.

تقديرات وجوائز

كتقدير لأعمالها النبيلة، استحقت الراحلة اعترافا وطنيا ودوليا فنالت جوائز مختلفة منها وسام الاستحقاق في حقوق الإنسان من الجمهورية الفرنسية سنة 1995، وتقليد الملك محمد السادس لها بالميدالية الفخرية سنة 2000 ، ثم جائزة “اليزابيث نوركال” سنة 2005، وشهدت سنة 2009 على حيازة الشنا على الجائزة الدولية “أوبيس” للأعمال الإنسانية الأكثر تميّزا عن جهودها ونضالها المستميت دفاعا عن الأمهات العازبات، وإعادة تأهيلهن الذاتي والمجتمعي.

عائشة الشنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *