النفس الخفية

يحيا المرء محاولا إخفاء جزء لا يتجزء من شخصية الإنسان، باعتباره تهديدا وحاجزا بينه و بين الحياة ، تلك النفس الخفية التي لا نشعر معها بالأمان والراحة ، تمر الأيام ونشعر بالإرهاق من محاولاتنا في قمعها وكبتها . إلى متى؟ كل شخص منا يعرف هذه الشخصية جيدا ويعرف صفاتها ومدى عمقها . بالنسبة للمنطق لا يمكن للإنسان أن يكون بخيلا وكريما في نفس الوقت أو يكون شجاعا وجبانا في آن واحد ، هذه العبارات متناقضة مع بعضها البعض تماما، لكن علم النفس يقول العكس حيث يتعامل معها بشكل تكاملي، لأن طبيعة الإنسان يحتاج و بدون وعي منه إلى الشيىء ونقيضه ليتمكن في التعامل مع أمر معين والتمييز بين الجيد و السيء ، لكن في حالة تعلقنا بصفات معينة وإنكار نقيضها وقمع تلك الشخصية الخفية منا ، الكثير من الأشياء و المشاكل لن نتمكن من حلها والتعامل معها جيدا، لأن الحلول تكمن في تقبل واحتضان أي صفة وعكسها. هذه النفس الخفية التي يرفضها العقل الواعي ليعتبرها شيئا سيئا من خلال التعليمات والمعايير التي خلقت من طرف المجتمع ، كعدم إظهار خوفك وكبت غضبك والإخفاء الجيد لعجزك … لأن البعض يراها ويتعامل معها كصفات تهدد مكانك وصورتك بين الناس فينتهي بها المطاف مقموعة تماما، فتتصنع الفرح عندما تكون حزين، والهدوء عندما تكون غاضبا ، والقوة عندما تكون عاجزا.

نعم !ه ناك مخاوف، هناك صدمات من الماضي وهناك مواقف تركت بصمة جارحة فيك ، لكن كلما أخفيتها ستتفاقم و تتكاثر لتظهر يوما ما بشكل مخيف ولن تستطيع التغلب عليها وكبتها من جديد فتفسد لك لحظات الحاضر وتؤثر على لحظات المستقبل وتعيق نموك الشخصي والاجتماعي ، لأن الراحة النفسية التي تعمل جاهدا الحصول عليها تعتمد على مواجهة ذلك الظل والإفصاح عنه في الأوقات المناسبة .

فهذه الخطوة الشجاعة ستساهم في شفائنا وخلق فرص جيدة في المستقبل، فمعرفة حقيقة النفس الخفية سيجعل منك شخصا أكثر تكاملا و توازنا في أفعالك و ستتمكن من معرفة حقيقة و قوة الجانب الآخر الذي لا يمكن أن ينفصل عنك يوما، سيزيد معدل الوعي الخاص بك و تتمكن من التحكم في ردود أفعالك تجاه المواقف التي ستعترضك و تتعلم جيدا من التجارب الشخصية التي مررت بها و التي ستمر بها .

فإخفائك تلك النفس ستعيق أجلا أم عاجلا  . مهمتنا في الحياة هي أن نقبل أنفسنا وندمج ذلك الظل مع شخصيتنا لتصبح واعية أكثر ونعمل معه لمواجهة الحياة دون أي تردد أو خوف، لتصبح إنسانا متصالحا مع ذاته ، و لتتمكن من هذه الخطوة الشجاعة يجب أن تتعرف وتلاحظ تلك النفس الخفية بممارسة التأمل الذاتي، و مراقبة ذهنك و إعطاء فرصة لأفكارك في التعبير دون قمعها وكبتها والحكم عليها بطريقة سلبية .

ستلاحظ وجود أفكار و أفكار لم تكن تدرك وجودها من قبل وصدقني ستدهشك بقوتها في تغييرك إلى الأفضل وستساعدك على تحقيق أهدافك والوصول إلى مرادك في الحياة .

يقول كارل يونج :

” لا ينور المرء تخيل شخصيات من النور، و لكنه يجعل الظلام يدرك” .

Exit mobile version