مشاهد من إملشيل

بعين سائح سحرته أسطورة إيسلي وتسليت

لا شك أن للسفر فوائد كثيرة، فهو يمنحك الفرصة للتأمل والتفكير؛ وفكرة زيارة موسم إملشيل والمنطقة بصفة عامة، كانت تدور في ذهني منذ مدة طويلة؛ قطعت بنا الحافلة مسافة طويلة جدا من العاصمة إلى الريش قرب مدينة الرشيدية، منها يمكن إيجاد وسيلة نقل إلى منطقة إملشيل حيث يقام الموسم السنوي سيدي أحمد أولمغني، احتفالا بالخطوبة وعقد القران وموسيقى الأعالي.

وصلنا إلى المحطة قبيل العصر بقليل وغادرناها بسرعة للبحث عن سيارة أجرة أو النقل المزدوج فثلاث ساعات من الطريق أمامنا قبل الوصول إلى وجهتنا، وجدنا سيارة أجرة من الحجم الكبير كان سائقها وكـأنه ينتظرنا؛ دفعنا له قبل ركوبنا وبمجرد انطلاقنا أطلق العنان لموسيقى أمازيغية أطلسية، بعد ذلك لإيقاع أحيدوس، لكي ينتقل إلى موسيقى شعبية شرقية بصوت نجوى كرم، اختيارات عشوائية من الغرب إلى الشرق من جبال الأطلس إلى جبال الأرز؛ تتأمل المناظر الطبيعية وتنقلك من صخب المدينة إلى هدوء قمم الجبال التي يبلغ علوها 2200 متر تقريبا.

من مركز إملشيل

منعرجات كثيرة، طريق يشق الجبل بشكل تصاعدي معبد لكنه متهالك بسبب الأمطار والسيول الجارفة في فصل الشتاء، مناظر خلابة وهواء نقي ومنعش تحس ببرودة الطقس كلما اقتربت من القمة، رغم أننا في بداية الخريف إلا أن بعض القطرات تحملها الرياح من بعيد، إنها نتيجة الأجواء الملبدة بالغيوم، تتبادر إلى ذهنك أسئلة حول الطقس في عز الشتاء والأجواء المرافقة له وتتخيل منظر الوادي والجبال المحيطة به حين يكسوها بياض الثلج؛ لا شك أنه منظر يسلب الألباب ولكن لا يمكن تخيل نفسك عالقا في ذلك الفج العميق. كزائر للمنطقة أول مرة، تطرح أسئلة حول ارتباط الناس بالأرض، لماذا يحب الانسان أصله، يقطع الكيلومترات لحضور هذا الموسم، المسألة أكبر من تلك التقاليد والأجواء المرافقة له، إنه الارتباط بالأرض، علاقة معقدة لا يمكن تفسيرها بسهولها، الإنسان يحس بها ويعيشها بكل بساطة دون أن يسأل نفسه عنها.

ما معنى إسم إملشيل؟ سؤال طرحته على صاحب مقهى صغير يتواجد بين منحدرات الوادي، يساعده ابنه الصغير وزوجته، المقهى عبارة عن قاعة كبيرة فيها طاولات قليلة وكراسي، وبعضها خارج تلك القاعة بالإضافة خيمة صغيرة سوداء مصنوعة من وبر الماعز. يجيب صاحب المقهى بسرعة كأنه ينتظر مني هذا السؤال، ينقسم الاسم إلى كلمتين “إيمي” وهو الفم بالأمازيغية ويقصدون به المكان، و”لشيل” أي الكيل بالعربية، بحكم أن أمازيغ الأطلس ينطقون الكاف كحرف الشين، وترجع هذه التسمية إلى أن المنطقة كانت تعرف بتوافد القوافل من أجل بيع وشراء الحبوب كالذرة والشعير وغيرها وسميت المنطقة بهذا الاسم. وهذا ما أكده سائق الطاكسي وكذلك صاحب المأوى السياحي بعد ذلك في دردشة معه حول مجموعة من المواضيع التي تتعلق بالمنطقة، حالفني الحظ ووجدت لديه غرفة شاغرة بعد جهد كبير بسبب الاكتظاظ جراء توافد أعداد كبيرة من الزوار على “الموسم”.

أشجار التفاح والصفصاف منتشرة على جنبات الوادي والحقول المؤدية إلى قمة الجبل، هذا راجع إلى المناخ البارد، عود الصفصاف يستعمل في تسقيف البيوت بسبب صلابته، بعض هذه الأشجار رغم أنها تساقطت أوراقها إلا أن جذوعها بقيت واقفة قرب بحيرة “تيسليت”، كأنها تخبرنا بصمودها كصمود أبناء الجبال رغم كل الظروف القاسية.

تُعرف إملشيل ببحيرتين كبيرتين، “إسلي” و”تسليت” بينهما مسافة ثمان (8) كيلومترات تقريبا، وهما عبارة عن ينابيع مائية متدفقة من الأعماق بالإضافة إلى مياه الأمطار وذوبان الثلوج، كل تلك المياه هي بمثابة دموع “تسليت” العروس و”إسلي” العريس اللذين تم تفريقهما ومنعهما من الزواج كما تقول الأسطورة.

من عرسان موسم إملشيل

تتفرس في الوجوه التي يظهر على بعضها قساوة الطبيعة، تحاول التمييز في تلك الملامح ما بين الفرح والحزن، الشدة وقساوة العيش وبين الرضا والقناعة، وتطرح الأسئلة المتعددة والمعقدة ولا تجد لها إجابات مقنعة ونهائية لأنها ببساطة لا توجد أجوبة سهلة ونهائية.

الجواب والاستنتاج تستخلصه من حديث السكان، انتظارهم للمطر والثلوج، يفرحون بتساقط أولى قطرات الغيث لأنهم يعتمدون أساسا على الزراعة وتربية الماشية، وتنتشر في المنطقة المآوي السياحية «les auberges » بشكل كبير، نظرا للإقبال الذي تعرفه من طرف السياح الأجانب و السياحة الداخلية التي تنشط خاصة في المناسبات.

النساء لهن النصيب الأكبر من التعب والشقاء، يظهر لك في عملهن اليومي في الحقول، يمتطين صهوة البغال والحمير المحملين بالعشب؛ الأطفال يلعبون بمحاذاة الطريق غير عابئين بالسيارات المارة من هناك، لقد ألفوا هذا المنظر؛ دواوير كثيرة منتشرة في جنبات الطريق، يثير انتباهك زي النساء التقليدي المزركش، كألوان الطبيعة، الشيوخ يلبسون الجلابيب البيض بكثرة، لماذا اللون الأبيض بالتحديد، ليس في الأطلس فقط، في أغلب مناطق المغرب، هل لأن اللون الأبيض يتعلق بالمسجد والصلاة أم لارتباطه بأحيدوس وأحواش وباقي الفنون الأخرى؟ سؤال لم أستطع الإجابة عنه وأنا أتأمل المناظر الطبيعية الجميلة.

“الموسم” مقسم إلى منطقتين، الأولى التي يتواجد فيه الضريح والسوق الذي امتلأ عن آخره بالسكان والزوار، ونُصبت هناك خيمة كبيرة حيث مرت طقوس عقد القران بالإضافة إلى منصة كبيرة للسهرات. الثانية بالجانب الآخر بإملشيل المركز حيث تتواجد منصة أخرى تناوبت عليها الفرق الموسيقية وفرق أحيدوس من جميع المناطق.

في صباح آخر ليلة من أيام “الموسم”، جو ممطر وبارد، الغيوم تتراكم فوق قمم الجبال كلوحة جميلة تلتقي فيها السماء بالأرض؛ الكل يبحث عن وسيلة نقل، السيارات من جميع الأشكال تغادر المكان، ضاربين موعدا في الموسم المقبل.

مشاهد من إملشيل

Exit mobile version