كوميديا الموقف عالميا،عربيا ثم وطنيا

اصل كوميديا الموقف وكرونولجيا انتشارها عالميا

كانت الإرهاصات الأولى لظهور الكوميديا بصفة عامة، وهو نوع من أنواع التمثيل يتضمن أحداث مضحكة أو نقد ساخر للواقع أو للشخص، أيام ما كان الإغريق ينظمون أعياد من يعتبرونه إله الخصب والخمر “ديونيسوس“، فكان الناس في هذه الأعياد يقومون بالغناء والسخرية وتبادل النكات البذيئة، وأصبح يطلق إسم “كوميديا” على كل مسرحية تتضمن عرضا ساخرا.
وتعرف كوميديا الموقف، وهو التعريف المعرب لما يعرف عالميا بالسيتكوم sitcom الذي يتكون من اختصار لكلمة situation (sit) وكلمة كوميديا (com)، بكونها نوع من المسلسلات التلفزيونية التي تعالج بشكل كوميدي وهزلي ظواهر حياتية من الواقع المعاش، ويختلف السيتكوم عن السلسلة الكوميدية بكون أحداث الأخيرة متسلسلة ضمن حلقات ولا يمكن معرفة ما ستؤول إليه الأحداث سوى في الحلقة الأخيرة، بينما تعالج كل حلقة من حلقات السيتكوم موضوعا معينا تكون نهايته بنهاية الحلقة، وتتميز حلقات السيتكوم بقصر مدتها التي لا تتجاوز في حدها الأقصى 25 دقيقة يتم خلالها إدخال صوت ضحك الجمهور وأحيانا كثيرة يتم الإستعانة بجمهور حقيقي في بلاطو التصوير، الذي يتم في استوديو داخلي بديكور معين، مع إمكانية تصوير مشاهد نادرة في أماكن خارجية عندما تقتضي الضرورة.

البداية من بلاد العم سام

كانت الولايات المتحدة الأمريكية شاهدة في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي على ميلاد توجه كوميدي جديد، عن طريق سيتكوم ” أنا أحب لوسي i love lucy“، وهو أول مسلسل كوميدي تلفزيوني بمواصفات السيتكوم، وقد بدأ عرض أولى حلقاته بالأبيض والأسود على شبكة سي بي اس سنة 1951 إلى غاية نهايته سنة 1957 مستمرا ست مواسم وكانت مدة الحلقة الواحدة 24 دقيقة، من بطولة لوسيل بول، ديزي ارنيز وفيفيان فانس، وبالرغم من مرور عقود طويلة لا يزال الإقبال كبيرا على إعادة مشاهدة السيتكوم الذي أعيد بثه من طرف شبكة سي بي اس بالألوان تكريما لذكراه، بل لا تزال الشبكة تجني أرباحا طائلة من عائدات عرضه، وكان نجاح العمل بوابة لإنتاج المزيد من الأعمال ضمن نفس التوجه الكوميدي سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو في باقي دول المعمور.
على سبيل المثال لا الحصر، كان من أشهر ما قدمت الكوميديا الأمريكية للعالم لاحقا من سيتكومات مرجعية، سيتكوم “أمير بيل اير الحيوي” الذي تم عرضه أول الأمر سنة 1990 لينجح نجاحا كبيرا ثم تقرر إنتاج ست مواسم أخرى لاحقة لينتهي بثه سنة 1996، وكان المسلسل بوابة كبيرة ل”ويل سميث” من أجل ولوج عالم التمثيل بعدما كان يُعرف كمغني راب من قبل، ويعالج المسلسل الفروق الطبقية في المجتمع الأمريكي في التسعينات، بحيث يحكي قصة “ويل” المنتمي لطبقة فقيرة والذي يرحل لحي بيفرلي هيلز للعيش رفق خالته وزوجها الثري.
قياسا مع مدة عرض السيتكوم السابق ذكره التي لم تتجاوز المواسم الست، فإن سيتكوم “ الأصدقاء” أو ” friends” استمر عرضه لمدة عشرة مواسم، فكانت بداية عرضه سنة 1994 ولا يزال صدى نجاحه يتردد إلى اليوم، يتطرق السيتكوم ليوميات ستة أصدقاء شباب يعيشون في شقة واحدة، وهم مونيكا، رايتشل، تشاندلر، جوي، روس وفيبي، وقد تابع الحلقة الأخيرة للمسلسل التي تم عرضها سنة 2004، نحو 52 مليون مشاهد في أمريكا لوحدها، يعتبر المسلسل أيقونة نوستالجية وفرصة للإطلاع على تطور الموضة والتكنولوجيا نظرا لفترة عرضه الطويلة الممتدة من منتصف التسعينات إلى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، و امتدت الصناعة الأمريكية للسيتكوم لتشمل عالم الرسوم المتحركة، وأبرز مثال على ذلك كارتون ” ٱل سيمبسون the simpsons“، المصنف كأطول إنتاج كوميدي بصفة عامة على الإطلاق بحيث لايزال يعرض إلى اليوم مدشنا موسمه الثالث والثلاثون بحيث كان عرضه الأول سنة 1989، ويعالج الكرتون الذي وجه لجميع الفئات السنية جميع القضايا المجتمعية الممكنة عن طريق أسرة أمريكية تمثل فئة متوسطة الدخل وتدور أحداثه في مدينة خيالية تدعى سبيرنغفيلد التي يعمل الأب “هومر“، وهو شخصية الكرتون الأشهر على الإطلاق، في مصنعها النووي، وصلت شعبية المسلسل إلى حد اعتباره في وقت من الأوقات بكونه يتنبأ بالعديد من الأحداث قبل وقوعها.عرفت الفترة نفسها عرض سيتكومات أمريكية شهيرة من قبيل ” Malcom in the middle” و ” the bernie mac show“.

كوميديا الموقف بالمنطقة العربية

من المعروف أن ظهور الإنتاجات الكوميدية في الوطن العربي قد سبق ظهور السيتكوم، لاسيما بعد ظهور رواد الكوميديا المعروفين من قبيل الكوميدي المصري اسماعيل ياسين والفنان المصري عادل إمام والفكاهي المغربي عبد الرؤوف والكوميدي السوري دريد لحام وظهور عدة إنتاجات كوميدية في الستينات والسبعينات مثل مسرحية مدرسة المشاغبين، وعرف عقد التسعينات بروز بعض الانتاجات الكوميدية التي فتحت الباب من أجل إنتاج المسلسلات الكوميدية العربية التي كانت إلى حدود تلك الفترة تعرف خصاصا كبيرا، ونخص بالذكر المسلسل الكوميدي المصري الشهير “يوميات ونيس” الذي أنتج سنة 1994 والمسلسل الكوميدي السوري “عيلة خمس نجوم” إنتاج نفس السنة، والذي كان أقرب مايكون لمواصفات السيتكوم، ثم المسلسل الكوميدي السوري “جميل وهناء” الذي كان إنتاج سنة 1997.
لكن انتشار السيتكوم بالمنطقة العربية بغزارة كان متأخرا نسبيا، ووجد لنفسه موضع قدم في المنطقة سنة 2007 بعد إنتاج السيتكوم المصري “رجل وست ستات” الذي فتح بعد نجاحه الكبير الباب من أجل التعاطي بكثرة لهذا النوع من الإنتاجات، فأصبح إنتاج السيتكومات في الوطن العربي بمثابة موضة مرتبطة بشهر رمضان.

كوميديا الموقف بالمغرب

لم يخرج المغرب عن قاعدة إنتاج السيتكوم في شهر رمضان، فاقترنت أغلب السيتكومات المرجعية بالمغرب بهذا الشهر، فكان أول مسلسل كوميدي بالمواصفات المعروفة للسيتكوم عرفه المغاربة هو سيتكوم ” أنا وخويا ومراتو” من بطولة سعيد الناصيري وعبد الرحيم بركاش و ثريا العلوي، والذي تم عرضه في رمضان من سنة 1998، حاول من خلاله الفنان سعيد الناصيري نقل تجربة السيتكوم الأمريكي وإعادة صياغته في قالب مغربي، ويحكي السيتكوم الذي تدور أحداثه في بلاطو تصوير داخلي قصة “عباس”، وهو شاب يواجه البطالة والمشاكل المادية مما يجعله ينتقل للعيش في بيت شقيقه وزوجته، لكنه ينسى هدفه من الهجرة إلى المدينة ويحول حياتهما إلى جحيم بسبب ما يفتعله من مشاكل.
فتح نجاح التجربة الأولى الباب لإنتاج الجزء الثاني في رمضان الموالي ثم الجزء الثالث بعنوان ” أنا ومراتي ونسابي“، وتم لاحقا إنتاج سيتكومات رمضانية ظلت بمثابة الأعمال النموذجية إلى يومنا هذا مثل سيتكوم “لالة فاطمة” بأجزائها الثلاث ثم “عائلة السي مربوح” بجزئيه، والشئ الأكيد أنه ما ساعد في اعتياد المغاربة على ثقافة السيتكوم الدخيلة ٱنذاك، وجود وجوه اعتاد المغاربة على مشاهدتها خلال سنوات سابقة في أعمال مسرحية مثل محمد الجم و سعد الله عزيز وخديجة أسد وعبد الرحيم التونسي ” عبد الرؤوف” فضلا عن سعيد الناصيري الذي دشن صناعة السيتكوم ببلادنا.

صورة للفنان المغربي محمد الجم

السيتكوم وضعف الكتابة الكوميدية

بالمقارنة مع قوة الإنتاجات الكوميدية بالمغرب في الشق المتعلق بكوميديا الموقف، لاسيما بداية أواخر التسعينات حتى منتصف العقد الأول من الألفينات، فإن السنوات الأخيرة عرفت عدة أعمال، رغم غزارتها، لا ترقى لإنتظارات الجمهور ولا تحترم ذكاءه، مما طرح أزمة ضعف الكتابة الكوميدية، لاسيما أن تلك الأعمال والإنتاجات أصبحت تولي الإهتمام للكم في مواجهة الكيف.
لعل من أهم عوامل تراجع مستوى كوميديا الموقف ببلادنا في السنوات الأخيرة، على الأقل مقارنة مع الأعمال المرجعية التي برزت أواخر التسعينات حتى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، ضيق الحيز الزمني المخصص لإنتاج عمل من أجل عرضه في رمضان، مما يؤدي إلى ضعف السيناريو واتسامه بالإرتجال، كما طالت الأعمال الكوميدية في العقد الأخير، لاسيما تلك المتعلقة بالسيتكوم، عدة انتقادات من طرف الجمهور الذي يرى أن إسناد المنتجين أدوارا مهمة لمؤثري مواقع التواصل الإجتماعي، فقط للاستفادة من شهرتهم والوصول إلى جمهور أكبر، خصوصا من لا يتوفرون على تكوين في المجال، ساهم في تدني مستويات تلك الأعمال التي أصبحت تجارية أكثر.

كوميديا الموقف عالميا،عربيا ثم وطنيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *