من إزارن إلى الراب بالأمازیغیة

لقد كبرنا ونحن نتغنى بإزران وموسیقى الولید میمون و علال شلح … نتعجب من بلاغتھا، ونتساءل كیف لھم أن یتواصلوا بالشعر، أن یتحاوروا ویختلفوا ویؤرخوا بالشعر، ونحن أبناء الیوم یصعب علینا تقطیع بیت واحد وشرحھ؟ ولا یبقى لنا من تلك القراءة والاطلاع إلا شيء من الأسى في صدورنا لأننا ّ فرطنا في موروث حضاري عظیم، رغم أن ھذا التفكیر یبدو في ظاھره تمسكا بالھویة والتاریخ، فإنھ في العمق مجرد عقدة نفسیة لم نتمكن بعد من التخلص منھا.

كلنا نعرف ان الموسیقى الأمازیغیة ھي الموسیقى التقلیدیة، النافذة التي یمكن الاطلاع من خلالھا على ثقافة تستمد قوتھا من الجذور التاریخیة لحضارة قدیمة او ھكذا كانت، حیث عرفت تطورا ملحوظا على مستویات متعددة خاصة من حیث اللغة والموسیقى والكلیب،من باب التطور دخلت موسیقى “الراب” لكي تصبح جزء من ھویة ھذا الجیل،سواء
اعتبرھا البعض دخیلة أو مستوردة، لكنھا ھنا الیوم. اشتھرت موسیقى الراب في الثمانینات والتسعینات بالولایات المتحدة الأمریكیة بتناولھا الجريء والصریح لمواضیع ذات صبغة اجتماعیة، وبدفاعھا عن الاضطھاد والتمییز
العنصري الذي كان یعانیھ الأمریكیون السود، أما في المغرب فقد ظھر ھذا الصنف من الموسیقى في أواسط التسعینات لكنھ لم یلق نصیبھ من الإقبال والانتشار حتى الألفیة الجدیدة مع ظھور الإنترنت و”الیوتیوب” أي منذ سنة 2003وما فوق، إلى أن أصبحت الآن موسیقى الراب بشكلھا المغربي واحدة من عناصر الثقافة المغربیة المعاصرة
كان من أوائل من اشتھروا بھذا اللون الموسیقي في المغرب توفیق حازب المعروف بـ”البیغ” و”مسلم” و “ھابلو” إلى جانب مجموعة “آش كاین” و “كازا سیستیم” و “الزنقةفلو” وغیرھم، حیث أصدروا العدید من الأغاني والألبومات التي استعملوا فیھا لغة الشارع العامیة البسیطة والمتداولة لدى جمیع شرائح المجتمع، كانت تصل في بعض
الأحیان إلى استعمال كلمات حادة وبذیئة، الھدف منھا تعریة الواقع المعاش وانتقاد الأوضاع الاجتماعیة (الفقر، البطالة، الرشوة، الفساد، المخدرات) إلى جانب مواضیع اجتماعیة أخرى منھا الأسریة التي تجسد موضوع الوالدین والأم، والحب والرفقة والصبر والرجولة. بكل بساطة كانت صوت یعبر عن مكنونات الناس التي لا یستطیعون البوح عنھا بصوت مرتفع. منذ سنة 2010 ومع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، التي سھلت نشر الأغاني والمقاطع الموسیقیة، ما فتح الباب أمام الكثیر من الشباب المولعین بھذا اللون الموسیقي إلى إصدار العدید من الأغاني ومن ھنا اكتشفنا راب الامازیغیة. یصعب تحدید البدایة لكن الكل یجمع على ان فرقة “راس الدرب” ظهرت سنة2013 من خلال جولة في عدد من المدن والتي تأسست 2008 وصولا الى صعودھا في موازین سنة 2014 ثم اختفت الى ان عادت للظهور مجددا سنة 2019 مع ألبومین جدیدين بدعم من مھرجان تیمیتار.

كما برز في أكادیر ایضا مغني الراب إیگیدر الذي نقل الراب الى ستایل جدید مكنھ من كسب جمھور كبیر. على مستوى شمال المغرب تأخر انطلاق راب الامازیغیة كثیرا حیث كان محصورا بین عدد محدود قبل أن یخرج إلى دائرة الضوء مما یجعل من المستحیل تحدید بدایتھ لكن یمكن الاشارة الى بعض الأسماء اللامعة في مجال الراب الریفي الذين لھم جمھور وقاعدة كبیرة “ریف دراكون” و”ریف كینغ” و “كلاشینكوف” و “میستر ریفي” و”ریف ریدراز” و”الناموس” و”ھیكو بویس”… لكن كان اول تعرف لجمھور على راب الأمازیغیة في فعالیة مھرجان “الراب یساور تمازیغت” المنظم منذ عام 2013 لكنھ توقف لسنوات لیتم استأنفھ ھذه سنة، تقدم فیھ الجھة المنظمة لھواة الفنون الحضریة
(خصوصا فن الراب/موسیقى وكلمات الھیب ھوب) في الریف، أنشطة لاكتشاف المواھب وعرضھا.
لكن ھل حافظ الراب الأمازیغي على نمطھ في عرض القضایا الاجتماعیة التي كانت سببا في كسب فئة عریضة من جمھوره، الیوم مع انتشار قنوات ترفیھیة وكومیدیة على الیوتوب التي مكنت الكثيرين من التطفل على الراب بل حتى من كان مؤمنا بیھ انحراف عن مسارھ وأصبح معظم روادھ یكتسون طابع عصابات الشوارع وجزء كبیر من الأغاني
لا یتكلم إلا حول المخدرات والبؤس وجمیع أنواع الانحرافات الأخلاقیة. لیس ھذا فقط بل الكلمات أصبحت خلیط من الامازیغیة و الدارجة والإنجلیزیة؟
فأین یلتقي الراب الأمازیغي مع إزران؟

مما سبق قد یبدو أنھ لا علاقة للراب الذي ھو مزیج من اللغات واحیانا ألفاظ خادشة للحیاء دون أي قوافل او بناء قصائدي بل إیقاع حدیث وسریع لا یلتزم بأي قواعد، لكن على العكس تماما إزران التي تعتبر ابیاتا شعریة تناقش مواضيع حساسة واجتماعیة كما انھا مبنیة وخاصة كما ان ازران تتشابه و ما يدعى بالكلاش اي تناول موضوع معين من جھة والرد عليه من جھة الآخر… وباللطبع یبقى المجال خصبا ھنا للدراسة والتحليل.
وفي الأخیر، أطرح سؤالا أخیرا: ماذا لو تصالحنا مع الفن بدل محاربتھ؟ ماذا لو شجعنا الفنون ّ ووجھناھا في سیاق المحافظة على التراث؟ ْ ولكن أرید أن ألفت انتباھكم إلى أننا نرى العالم بعیون مختلفة، لأننا ولدنا في مزیج زماني ومكاني مختلف…

من إزارن إلى الراب بالأمازیغیة

يوسف قريش

باحث في القانون الدستوري و ثقافة الامازيغية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *