الانتماء لا يموت

الانتماء بلاء والأشد بلاء منه هو اللا-انتماء، أن لا تتعلق بأرض أو بلد، أن لا يرتبط إسمك بمكان، أن تكون وحيدا، صفر في معدل الانتماء، أن تَرفض كل تصنيف يفرض عليك أو بمحض إرادتك.
الانتماء فخر واعتزاز وفي نفس الوقت قوقعة وانغلاق على النفس، تفتخر إلى حد التعصب، تعتقد أنك محور الكون والمهم على الأرض والوحيد الذي ينتمي إلى طائفة أو عشيرة.

ارتباط الإنسان بالأرض وتعلقه بها والافتخار بأصله يصل أحيانا إلى حد تضيق به الأرض، حينها يبلغ ذلك التعلق الشديد مرتبة التخلي، يترك كل شيء وراءه، يهرب من الوطن ويهاجر، لكن رغم ذلك لن يستطيع أن يهرب من نفسه، من الأرض التي كان يسكنها ومازالت تسكنه أينما حل وارتحل. الانتماء لا يموت.
الأرض، تعود إليها حتى وإن هجرتها منذ الصغر كما تعود الطيور إلى أعشاشها مساء، الكثيرون هاجروا وتركوا مسقط رأسهم لكنهم يجدون أنفسهم مساقين إليه رغما عنهم كأن قوة خفية تدفعهم إليه، يرجعون من وراء البحار سابحين فوق الموج أو محلقين في السماء كطيور مهاجرة وعائدة إلى أوطانها، يعودون أحياء لمعانقة المكان أو كجثة باردة في صندوق ينتظر الدفن.

يعودون ويهربون باستمرار إلى أن يحين سفرهم المحتوم وعودتهم الأخيرة، يعودون بعد استنزاف طاقة أرواحهم وليشحنوها من جديد، تلك الطاقة التي لا تتوفر في بلاد وأرض هم غرباء عنها، يجمعون كل ما هو مادي ويعودون لأنفاقه من أجل استرجاع اللامادي، يملؤون الفراغ العميق في نفوسهم، شروخ وأخاديد في أعماقهم، لا تلتئم الا بمعانقة المكان.

يعودون لمسقط رأسهم ليداوي جراحهم النفسية والروحية، ليعالج ندوب الغربة في أعماقهم، يتأملون الماضي الذي لن يعود، يتحسرون على الأيام التي لم يقضوها بين جدران المكان، يتأملونه بنظرتهم استعدادا لتوديعه، يشيعون أرواحهم قبل أن تُشيع أجسادهم إلى مثواها الأخير.

إسماعيل خيرالدين

أشتغل بمؤسسة للمجتمع المدني، مهتم بالتصوير الفوتوغرافي و صناعة الفيلم الوثائقي

تعليق واحد

  1. تحياتي سي اسماعيل كتابة وسرد جميل اسلوب بسيط يذهب بنا في خيال واسع لنعيش ممرارت الغربة والابتعاد عن الاهل والاحباب… موفق كما العادة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *