هل ظهور المؤثرين هو انتهاء لوجود المثقفين؟

دورالمثقف وسلطته في صنع القرار

دائما كان المثقفون العرب في الصف الاول في التغيير والتنوير للرأي العام ولعبوا أدوارا محورية في الحياة السياسية والاجتماعية علاوة على الفكرية والادبية والفنية وكانوا صناع تغيير حقيقيين وهذا ما يظهره التاريخ وبعيدا عن تقييمات مدى نجاح التغيير الذي خطته أجيال من المثقفين العرب فان نظرة ولو سريعة على الواقع العربي اليوم تثبت الغياب شبه الكلي للمثقفين والتراجع الكبير لأدوارهم وهنا نستطلع اراء مثقفين وفنانين وكتاب عرب حول هذه الظاهرة الجديدة.
يعيش العالم في الآونة الاخيرة تحديات كثيرة ما بين النزاعات المسلحة وتيارات دينية متطرفة وسياسية غير حكيمة التي خلفت مجتمعات تعاني الأمرين كنتيجة لما يجري على الصعيد الدولي، في ما نجد النخبة المثقفة تقف دون فعالية كما كانت تحقق نوعا من التوازن، أو على أقله ترصد المتغيرات والتحولات وتدرسها محللة لما يعمل بها وأبعاد تأثيره وانعكاساته.
وهنا نطرح السؤال من جديد: فهل فقد المثقف سلطته سواء على مستوى الذات أو صناع القرار أو الرأي العام؟ وما الأسباب التي أدت إلى ذلك هل هي ذات علاقة بالواقع العربي العام وانهزامية المثقف أمام تحولاته؟ أم أن هناك روابط وصلات أخرى؟
ان انحسار دور المثقف العربي أضحى متنكرا بقناع المتفرج المهادن والعاجز أمام الأحداث المتراكمة والسريعة بحيث يقول الناقد المغربي محمد لعزيز “إذا كانت سلطة المثقف تكمن في بصيرته القادرة على التقاط الحيوية الإنسانية الأصيلة التي يحول بها الذات والمجتمع، فإن تلك السلطة عند المثقف العربي، في الغالب من الحالات، جعلته اليوم مشوش الذهن بموجب السيرورة المتسارعة لمختلف البنى الوجودية في عصر موت الواقع كما يقول بودريار: ويضيف “تجلى هول سقوط المثقف العربي بين هروبه من أي التزام ومن أي صراع كيفما كان، وانشطرت ذاته: إما بالارتماء في حوض السياسيين والتواطؤ معهم في انبطاح مؤلم، إلى درجة جعلته يلهث وراء انتفاع ريعي انتهازي.
وإما بالانزواء والتفرغ للكتابة الفردية ذاتية هروبا من الواقع، وإما بالتوسل بالدين لمواجهة كل الحراك الثقافي والتقدم المجتمعي، وهو في كل ذلك يكتفي بالترقيع في القول والسلوك، ويستكين للحياد واللاانتماء، وبلغة ألطف أضحى متنكرا بقناع المتفرج المهادن والعاجز أمام ما يجري في الواقع.
ويرى أستاذ علوم المسرح نبيل بهجت أن السؤال صعب و محير، ولكن لممارسة السلطة المعنوية هناك إجراءات ضامنة للحماية والحرية، فهل هناك ما يضمن حرية الرأي والإعلان عنه، هناك صناعة ممنهجة للخوف واليأس تسيطر على المناخ العام في عالمنا، والمثقف جزء من هذا المناخ، لدينا المئات من القضايا التي يستيقظ المواطن ليجد قرارا فيها من السلطة المعنية بداية من التطبيع وانتهاء بإجراءات الحياة اليومية، ثم لدينا تهم جاهزة ومعلبة بدأت بالزندقة، مرورا بكل التحولات التاريخية لهذا النوع من التهم الإقصائية التي تصف أصحاب الرأي في مصاف أعداء الوطن، ومن ثم يستوجب العقاب.و هناعلينا أن نسأل عن ضمانات الحرية والأمان للمثقف أولاو يضيف “لذا قبل أن نسأل عن سلطة المثقف علينا أن نسأل عن ضمانات الحرية والأمان والسلامة العامة في عالمنا العربي للاختلاف مع السلطة ومع صناع القرار. أما عن انهزام المثقف أمام التحولات فلو استعرضنا الواقع العربي من المحيط للخليج وتفكك الدول وظهور تيارات العنف والإقصاء على اختلاف بنيتها وتوجهاتها وظهور التطرف بكل أشكاله الليبرالي والقومي والديني والوطني وتحولات المصالح لدى بعض جماعات السلطة، فسنرى أن كل هذا يصيب المثقف بما هو أبعد من الهزيمة و الإحباط والاكتئاب الصامت.
ويشدد على أن السؤال أصعب من أن يجيب عليه المثقف، ففي النهاية هو إنسان له احتياجاته ومخاوفه، فهل هناك أي ضمان لأصحاب الرأي؟ معتبرا أن سؤالنا لغم متحرك سينفجر بوجه كل من يقترب منه، أو سنجد إجابة تشبه الكتابة البيضاء التي هي كالكذب الأبيض لا تنفع ولا تضر معتبرا إجابته جزءا منها.
ويشير الشاعر والمترجم الدنماركي من أصول عراقية سليم العبدلي في حديث إعلامي له، ذكر الكاتب الاسكندنافي كلاوس ريفبياو قبيل وفاته منذ بضع سنوات، أنه لا يجد أكثر من عشرين مثقفا في هذه الدول.
وقد أثار تصريحه هذا جدلا واسعا في الأوساط الثقافية، ولكني لم أجد أحدا قد تساءل من هو ذلك المثقف الذي أشار إليه ريفبياو؟ وقبل أن نخوض في السؤال عندنا إذا فقد المثقف سلطته ودوره في صنع القرار أو تأثيره في الرأي العام، علينا أن نتفق على من هو المثقف؟ هل هو كل من يكتب؟ كل من يُعَلم الآخرين؟ أم الذي لأفكاره تأثير في المجتمع؟
أي دور للمثقف لخلق الأفكار ونقلها إلى الآخرين ،فالمثقف هو ذلك الذي يمتلك القدرة على التفكير العلمي والنقدي الذي يزوده بالرؤية الشمولية لا الاختصاصية. أما السؤال عن دوره، فإنه ينحصر في خلق الأفكار ونقلها إلى الآخرين، سواء على الصعيد المؤسساتي أو الشخصي. وباختصار هو ذلك الذي ينتج المعرفة النقدية التي تستطيع أن تؤثر في مسار المجتمع الديناميكي، أي من الساكن‘المحافظ‘إلى المعاصر ‘المتقدم‘. وإن اتفقنا على مثل هذا التعريف الموجز للمثقف، فسيكون دوره محسوسا إن توفرت له ساحة أو مايكروفون أو وسيلة ما للوصول إلى زوايا المجتمع كي يتسنى له التأثير في إحداث عملية التغيير. وإن توفرت مساحات التغيير، تقدم المجتمع بأفكار هؤلاء المثقفين. ومن هنا، فإن توفر المثقف وتوفر المنبر الثقافي متلازمان لكي نحدد دور المثقف.
ولذا فإنه من الخطأ أن نجزم بعدم وجود المثقف في المجتمعات المتخلفة، وإنما لنا أن نجزم بعدم وجود الحرية اللازمة في هذه المجتمعات للمثقف لممارسة دوره الطبيعي
ويضيف العبدلي في الحوار مع المثقفين الأوروبيين، أجد إجماعا على انحسار دور المثقف في العقود الأخيرة، وخاصة مع مطلع هذا القرن، ويصعب العثور عليه في مجال صناعة القرار، وبذا يكون دوره غير مؤثر في الرأي العام. وفي نفس الوقت أجد إجماعا من قبل هؤلاء المثقفين على الاستمرار في العمل من أجل إيجاد المنافذ الحقيقية للتأثير في المعرفة الاجتماعية وتقدم المجتمع. ولكن أين هي تلك المنافذ، ومن هي تلك القوى التي تسيطر عليها في مجتمعات تعرّف نفسها بأنها مجتمعات حرة ذات انفتاح وتطورفي التعبير عن الرأي والدفاع عن وجهات النظر؟
إن كانت السلطات في المجتمعات المتخلفة تسعى دائما لتحويل المثقف،أو بعض المثقفين، إلى بوق لها، فليس بالغريب أن نعترف بأن السوق العالمية كانت ولا تزال متأهبة لاستغلال الفرص المتاحة لكي تعزز سلطتها الناعمة على المجتمعات الحرة، وتبقى سلطتها الخشنة في المجتمعات الأخرى. هذا من ناحية، أما من الناحية الثانية، نجدها، تلك السوق العالمية، سباقة في قراءة الواقع المعاش لكي تجهز له آليات تغيّر من مساراته لتخدم مصالحها، فهي تمتلك السبل،المال والنفوذ السياسي،اللذان يكفلان لها التفوق في هذا المجال، وبذا تكون أكبر قوة مؤثرة في المجتمعات أكبر من القوى الثقافية والسياسية والعلمية مجتمعة.

هل ظهور المؤثرين هو انتهاء لوجود المثقفين؟

Exit mobile version