خوان مارسي، مذكرات غير منشورة

ترجمة أدبية

ˮروتين، هذا ما أحتاجه، روتين وهو ما لا أحبُّه“

ننشر هنا فصلا من كتاب “حاشية لبعض الذكريات التي لم أكتبها أبدًا” (دار النشرLumen)، وهو الكتاب الذي صدر بعد وفاته والذي يتضمن مذكرات غير منشورة من عام 2004 والعديد من الملاحظات المجزأة، والتي تركها الكاتب جاهزة للنشر بعد وفاته وستطرَح للبيع شهر مارس 2021.

جريدة ألباييس الإسبانية
ترجمة عبد اللطيف شهيد

الجمعة، 9 أبريل

يوم غائم. لن أخرج مع سايمون، لا توجد صحافة اليوم. حسنًا، أنا آسف لسيمون، لكنني أفضل أن أبدأ العمل على الفور، لأرى ما إذا كان بإمكاني منح سيناريو رواية دفعة أخرى.
لا شيئا تقريبًا لتدوينه. تعود خواكينا من الحقل بمجموعة من الجنجل البري وتصنع به عجة رائعة. إنها امرأة فضولية، ولن تتوقف أبدًا عن إدهاشي: إنها تعرف كيف تطبخ الأشياء الجيدة، لكنها لا تعرف كيف تُنظم وجبة. تعرف كيف تدير مِقود سيارة، لكنها لا تستطيع القيادة. تعرف كيف تصنع عجة بطاطس جيدة لكنها لا تعرف كيف تُعد المائدة.
أشاهد على شاشة التلفزيون فيلم ˮ السنوات العنيفة لحقبة العشرينات“ الذي أخرجه راؤول والش عام 1939. تحفة فنية بدون ضجة وبدون ادعاء. لا أحد يعرف كيف يسقط بطلقة ناريّة مِثل المُمثِّل جيمس كاجني.

السبت، 10 أبريل

حلمت أنني كنت أسبح في بحيرة، وأسبح بهدوء، دون توقف. السباحة؛ حلم سعيد رافقني منذ الصِّغر. أسبح وأسبح وأسبح. السباحة ولا شيء غير ذلك. العيش من أجل السّباحة. يوم مشمس. اتصلت بي بيرتا لتذكرني بأن غدًا هو عيد ميلاد خواكينا. لا تعرف ما إذا كان بإمكانها القدوم، لأن جيلي مصابة بالجدري المائي. أشاهد مباريات كأس ديفيس (مباراة الزوجي، يقطعها المطر، في بالما) على شاشة التلفزيون.

الأحد، 11 أبريل

عيد ميلاد خواكينا، جيلي يهدي لجدته كنارًا اسمه فلاش.
قدوم بيرتا، غاستون و جيلي لتناول الطعام معًا والاحتفال بعيد ميلاد خواكينا، لا زال جيلي يشكو جدري الماء، لكنه بخير.
صديقي من سرقسطة، باتشو، الذي كان غاضبًا بعض الشيء مني نتيجة مناقشة سالفة حول السياسة الصيف الماضي، زارني لنتناول بعض الكؤوس من النبيذ. الأمور عادت إلى نصابها. أخبرته عن رحلتي إلى برلين، المدينة التي يعرفها جيدًا. باتشو يشكو من الصَّمم التام، لكنه ودود كالعادة، صاحب دعابة، يخضع لرعونة ابنة زوجته فرجينيا (تسعة عشر عامًا) التي تحب، كما يقول، التجول في المنزل وثدياها مكشوفان… يشكو من شباب اليوم الذين لا يحترم رجل عجوز مثله.
حضر أيضا خوان دس ساغارا برفقة ماريا جيس توس لمراجعة تفاصيل مقابلتها مع مجلة الطَّليعة.
عشاء وتوديع بيرتا، غاستون و جيلي بعد زيارة تيريسيتا بوركيه.

الاثنين، 12 أبريل

اثنين عيد الفصح. الطقس جيد. أشتغل على ساكسفون بين ويلاستير Ben Webster، لقد سئمت من تكراره: أنا مدين لهنري مانشيني- وأيضا كول بورتر – بالعديد من لحظات السعادة، تلك الحقب من الحياة التي نسميها غير ذي شأن.
لم تظهر تيريسيتا، و لم تتصل. في مثل هذا اليوم، في مدينة لاربوس L’Arboç ، خلال طفولتي، كنا نأكل ˮلامونا“ – أكلة عيد الفصح – بين أشجار الصنوبر، كانت أكلات الباييلا تُطبخ وكان الناس يُغنّون، كان الأطفال يركضون على طول ضفاف الجدول الذي كادت عصابتنا ونحن أطفال صغار تغرق فيه عندما ذهبنا لاصطياد الضفادع، فداهمنا سيل ألقانا على الصخور، حينها فقدت حذائي، وكادت جدتي كونسول تقتلني عندما عُدتُ إلى المنزل حافي القدمين.

الثلاثاء، 13 أبريل

السماء اليوم أكثر صفاءً وزرقةً من أي يوم آخر. سأخرج في نزهة مع سيمون وسأعمل لفترة عندما أعود بعدها. بدأت في جمع كل شيء، لأننا بعد الغداء سنعود إلى برشلونة.
هنا في كالافيل اشتغلت أقل مما كنت قد خطَّطتُ له؛ كان الطقس جيدًا جدًا.
قالت تيريسيتا إنها ستأتي، لكنها لم تحضر لا بالأمس ولا اليوم. إنها قضية. لكنها محبوبة. الآن بعد أن فكرت في الأمر، أيضا، لم يظهر روتيس ولا إيفون في كالافيل هذه الأيام. قال خايمي كامينو أيضًا إنه سيأتي، لكن لم يفعل.

عدتُ إلى برشلونة في الرابعة والنصف، أحمِلُ كرسي الجدة كونسول الهزاز لإصلاح مؤخرته الشبكية. يا لها من ذكريات مع هذا الكرسي الهزاز. كما أخذنا فلاش؛ الكناري هدية جيلي.

الأربعاء، 14 أبريل

لقد اشتغلتُ اليوم إلى حدود وصول جيلي، و الذي يواصل غيابه عن المدرسة بسبب مرض الجدري المائي. لعبنا الكرة على الساحة. قدِم غاستون للبحث عنه ليعود به إلى المنزل. ساشا تناول الطعام رُفقتنا. يبدو أنه غير حيويّ كعادته، رغم أنه يُحاول أن لا يبدو ذلك عليه. لدي الكثير من الكتب في انتظار قراءتها: فونسيكا، جوزيف روث، فيليب روث، كوتزي، موتيس، بارنز…
متى سأذهب إلى السّباحة؟ لا بدّ لي من التعود على ذلك، وأحمل نفسي على هذه العادة. كسل كبير – مرة أُخرى – لكنني اليوم حددت موعدًا للزيارة المعتادة لطبيب القلب. روتين، هذا ما أحتاجه، روتين و هو ما لا أحبُّه.
أرسلت لي روزا مورا استمارتها عن طريق الفاكس. عمل إضافي ليوم الغد – بالإضافة إلى مقابلة مع الفرنسيين من بربينيان Perpiñán ، لمجلة Le Matricule des Anges.

خوان مارسي
خوان مارسي

الخميس، 15 أبريل

حانة لاكريما مقفولة منذ ثلاثة أيام، لا أدري ماذا جرى.
لم أعد أرى أوسكار منذ مدَّة، أظنُّ أنَّ لديه أشغال كثيرة.
اشتغلتُ حتى الساعة الحادية عشرة، حضر الصحفي الفرنسي من مونبلييه (ليس من بربينيان، كما كتبتُ بالأمس). أتى بتوصية من كريستيان بورجوا مرفوقا برجل كاتلوني الذي يعمل كمترجم فوري- وهو يفعل ذلك جيدًا – عندما أتحدث الإسبانية؛ لأن هذه هي اللغة التي أعبِّر بها عن نفسي بشكل أفضل. أحضَرَ لي نسخًا من المجلة التي ينشرُها في مونبلييه. المقابلة شاملة: ثلاث ساعات طويلة. أعطيتُه صورًا لي من باريس عام 1960.
بعد الغداء حضر كل من بيرتا وجيل، هذا الأخير حضر برغبة في أن يرسم – وغني عن القول من يريد رسمه. بعد مغادرة جيل، يمكنني العمل قليلاً. يجب أن أكون غاضبًا من نفسي بسبب هذا التراخي، لأنني تركت حفيدي يُشغلني لساعات طويلة. لكني أحب أن أكون معه، فهو يُسلّيني ويُريحُني. أعلم أنني يجب أن أعمل أكثر، لكن على أي حال، لا يهم؛ وأيضًا ما يهُم أن الفن طويل والعمر قصير…

الجمعة، 16 أبريل

تحت الأمطار الغزيرة والرياح العاتية أخرج لاقتناء الصحف والخبز. حانة لا كريما مفتوحة والجاليقي، خوسيه، على العتبة: الحانة بأكملها تحت طبقة بيضاء من الغبار، تتسرب عبر الباب؛ يعمل العمال على واجهة المبنى الذي يجري تجديده، – حسب خوسيه – العمال لا يُجيدون عملهم. أودَّعُه وأكمل طريقي في مواجهة الريح التي كادت تقلب مظلتي رأسًا على عقب. الماء تسرَّبَ إلى حذائي.
غداء مع غلوريا جوتيريز وكارينا بونس وخوسيه ماريا ريداو في المطعم الإيطالي ميلتون، مونتانير 189. جيد جدًا. إن ريداو شخصية لا بأس بها. ذكي، خفيف الظل، واسع الاطلاع (يقول إن أثنار قد وضع نفسه بين يدي طبيب نفساني، فهو يعرف ذلك جيدًا). وهو فضولي قليلا، كما أحب ذلك. لقد عرض عليه الاشتراكيون الذين وصلوا للتو إدارة معاهد ثرفانتيس، وقد رفض ذلك. بالتأكيد سيقبل منصبًا في اليونسكو.
عند عودتي، وجدت جيلي في المنزل برفقة جدَّته: ˮخمِّن من سأرسم يا جدّي…“
في المساء، مشاهدة شريط صامت للمحبوبة بوليت غودار Paulette Goddard.

السبت، 17 أبريل

أشتغل في الصباح على (استمارة روزا مورا لـفائدة جريدة الباييس El País) وفي فترة ما بعد الظهر، أتناول كأس ويسكي، في باربيانو بفندق ماجستيك رفقة خوان دي ساغارا و خافيير كوما، وفي النهاية مع ماريا خسوس. وجدت خافيير كوما بدون حيويَّة. و ساغارا كالعادة؛ في بعض الأحيان وقح ومحبوب في بعض الأحيان. يشكو من ساقه.
قريبا سأدخل المنزل أحملُ كتابا عن جوزيف روث، هديَّة من ساغارا.

الأحد، 18 بريل

يوم جميل. أقرأ الصحافة ثم أشتغل. أنهيت الإجابات على استمارة روزا مورا وسأرسلُها إليها بالفاكس. اتَّصلَ كويم روكا: سيحضر غدا الاثنين لتناول الطعام. دعونا نرى ما إذا كان بإمكاني العمل على السيناريو-الرواية قبل وصوله. سيمر روتيس وروزا، وسيتناولان الطعام رفقة غابرييل جاكسون هنا في كان سوتيراس في ممر دي سانت جوان.
مع مرور الوقت. أشعر أحيانًا بفكرة غرامشي تتأجَّج بداخلي: عندما لا يموت القديم والجديد لم يولد بعد. الحتمي لا يهتم بالزمن.
ينتظرني أسبوع مليء بالعمل. ليست لدي اليوم أنباء عن جيلي، ولا عن جان، ولا عن نادية.

الاثنين، 19 أبريل

حوّل بعض الكُتّاب كافكا إلى كاتب للكتّاب. يحب هؤلاء الكتاب الغوص في دسم الأدب.

* خوان مارسيه كاربو (Juan Marsé Carbó) ـ (ولد في برشلونة في 8 يناير 1933- 19 يوليو 2020) هو روائي وصحفي وكاتب سيناريو إسباني. حصل على جائزة ميغيل دي ثيربانتس الأدبية الرفيعة سنة 2008. وهو أول أديب يفوز بهذه الجائزة من إقليم كاتالونيا، وقد كتب سيرته الأدبية جوزيف ماريا كوينكا بعنوان “عندما تأتي السعادة.. سيرة خوان مارسيه”. وركزت معظم كتابات مارسيه على إسبانيا بعد الحرب الأهلية.

خوان مارسي، مذكرات غير منشورة

عبد اللطيف شهيد

أستاذ متقاعد، أعمل كمترجم أدبي من اللغة الإسبانية إلى نظيرتها العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *