سيطرة الخوارزميات

البشرية في سنة 2035م

كان مراد يستعد للاحتفال بعيد ميلاده الخامس والثلاثين الذي يصادف الذكرى الخامسة لعصر الميتا الذي انطلق في التاسع من يونيو سنة 2035. ففي ذلك اليوم تم تسليم مصير البشرية للذكاء الاصطناعي ليبدأ في تسيير شؤونهم اليومية الخاصة منها والعامة. لقد تخلصت البشرية من المؤسسات التي كانت تشرف على تسيير الشؤون المحلية و الوطنية و حتى الدولية، ليتم تعويضها بخوارزميات تحسب و تحلل و تتخذ القرار الأمثل الذي يجب الالتزام به و تنفيذه خدمة للصالح العام.
لقد كان مراد محظوظا هذا العيد، فقد سمحت له السلطة السيبرانية بالاحتفال رفقة 10 أشخاص داخل قاعة مخصصة لذلك، و هو شيء يتم منحه فقط للمواطنين الذين جمعوا رصيدا عاليا من نقط المواطن الصالح. مفهوم المواطن الصالح هذا كان قد بدأ بالظهور قبل عصر الميتا بقليل في الصين. حيث يمنح المواطن نقطا على كل عمل جيد أو بالعكس يتم سحب نقط منه بسبب عمل مشين.

احتار مراد في من سيختاره لهذا الحفل، ليس لكثرة معارفه، بل بالعكس، فمجموع أقاربه وأصدقائه لا يتعدى سبعة أشخاص. أحدهم في مهمة بالمحطة القمرية منذ سنتين, واثنان منهم لا يكادان يغادران العالم الافتراضي حيث قد اختارا البقاء متصلين بأحد العوالم التي وفرتها شركات الميتا فيرس للترفيه في البداية، ليختارها البعض حياة بديلة دائمة تخرجهم من رتابة العيش و مشاكله و أخطاره أيضا.
كان مراد قد قرر سرا أن يجد حلا لإخراج أخته نبيلة وخطيبها من هذا السجن الاختياري الذي أصبح يضم بين جدرانه نصف البشر الموجودين على الأرض، ثمانون بالمائة منهم دون الأربعين. فتكاد تجد الشوارع فارغة إلا من بعض المسنين ومن دوريات الأمن المؤلفة من روبوتات طائرة تجوب كل أنحاء المدن بلا كلل ولا ملل.
كانت نية مراد أن يقوم بإدخال فيروس رقمي إلى منظومة الميتا فيرس ليعطل به برامجهم. كان يعلم أن هذا العمل من أخطر الأعمال الإجرامية وأشدها عقوبة في هذه الفترة. و مع ذلك كان مصرا على المضي قدما لتنفيذ مخططه. فهو يرى بأن الإنسان فقد حريته وكذلك حياته، حتى أصبح الشيوخ في حالة صحية أحسن من الشباب الذي أصابت البعض منهم السمنة من فرط تناول الوجبات الجاهزة، والبعض الآخر يعاني من الهزال بسبب سوء التغذية. أما الحياة الأسرية و الاجتماعية فصارت من أساطير الأولين.
بعدما تمكن مراد من إتمام صنع الفيروس، قام بتنزيله داخل ملف كان عبارة عن لعبة جديدة صممها خصيصا لهذا الغرض، و عرضها على منظومة الميتا فيرس. لكن ما لم يكن مراد يتوقعه، هو أن الفيروس لم يعطل فقط عمل ألعاب الميتا فيرس فقط، بل عطل عمل كل المجالات التي كانت تسير الحياة اليومية.

فتعطلت المحطات الكهربائية وشبكة الاقمار الصناعية ومعها شبكة الاتصالات والإنترنت وشبكات المواصلات والملاحة الجوية والبحرية والأرضية كذلك. تعطلت كذاك كل مصانع الأكلات الجاهزة ومصالح التوصيل. وتوقفت الروبوتات والكاميرات الأمنية، المستشفيات والمدارس الافتراضية أيضا.

بين عشية و ضحاها أصبح العالم ككل يعيش في عصر حجري جديد، و بدأت الفوضى تعم المدن و تكونت عصابات تحاول السيطرة على ما توفر لها من مواد غذائية و اساسية تحسبا لفترة قد تكون طويلة من الأزمات و الانفلاتات الأمنية. أما مدمنوا الواقع الافتراضي، فلم يتأقلموا بتاتا مع الوضع الجديد، حيث قام الملايين منهم بوضع حد لحياة لم تعد لها معنى.

عبدالرزاق طميني

شرطي سابق، مجاز في القانون العام، و أهتم بمختلف المجالات الثقافية و الفكرية و الأدبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *