طيفك أبدي يا صاحب قلبي

قصة قصيرة

إنه المساء و عقارب الساعة تشير الى السادسة ، الجو شديد البرودة مصحوبا بزخات مطر ناعمة تلامس الخد كأنها نسيم دافئ ..
في أرقى مطعم يطل على الشاطئ حيث موسيقى هادئة و أضواء شموع تفوح منها رائحة الحب تجلس ملاك بمعية حبيبها عمر ،ذاك الشاب الوسيم اللذي يشتغل مهندس معماري ناجح له اسم في مجاله.. في جو مليئ بالمرح يتناولان وجبة غداء متأخر .
لنتعرف على ملاك ، تلك الفتاة الجميلة المقبلة على الثلاثين سن الرشد الحقيقي وسن اكتمال نمو القمر ، ملاك درست الطب والصيدلة وتشتغل حاليا طبيبة أطفال في مستشفى خاص. كان يوم الأربعاء كما العادة ملاك في مكتبها منهمكة في عملها فجأة طرق الباب ليدخل رجلا ثلاثيني وسيم الوجه ، لون بشرته تميل للسمار قليلا وعيناه ينبعث منهما ذكاء حاد لكنه يبدو على محياه التوتر والتيه كان يحمل طفلة صغيرة نائمة عمرها اربع سنوات ..
عمر : أرجوك دكتورة ساعديني فحرارة ابنتي مرتفعة منذ ليلة البارحة
ملاك : اهدأ سيدي سأفحصها ليس هناك داعي للذعر ..
بعد أن فحصتها كتبت له وصفة دواء و طمأنته أنها ستكون بخير فالأطفال في هذا السن تكون مناعتهم ضعيفة ليس إلا ..
عندما أقدم عمر على المغادرة طلب رقم الطبيبة في حال أراد استشارة تخص طفلته . تبادلا أرقام الهاتف وهناك كانت بداية قصتهم , تبين أن زوجته متوفية وهو الذي يرعى ابنته ..
من رحم صدفة كان مخاض عشقهما ، يشهد القمر و النجوم على حكاية جميلة اعتقدا أنها لن تنتهي.
في حضن ذالك الجو الدافئ بينما يتناولان الغداء فجأة أخرج عمر من جيبه علبة حمراء ليفتحها طالبا يد ملاك للزواج ، كانت هي سعيدة جدا فأخيرا ستتزوج حبيبها، حيث قضيا معا عاما كاملا من السعادة ، من التفاصيل ، عاما كاملا من الحياة ..
تزوجا في ظرف شهر واحد وانتقلت للعيش معه في شقته الفاخرة رفقة ابنته ، كانت علاقتها من الطفلة يافا قريبة جدا فقد أحبتها كأنها ابنتها وكذالك الطفلة تعلقت بها بشدة لقد كانوا أسرة جميلة وسعيدة ، جعلوا من شقتهم الدافئة ملجأ من قسوة العالم وخيباته .
بعد عدة شهور من زواجهم بدأت ملاك تشعر بشيء غريب يحدث ، عمر يغيب كثيرا عن المنزل، أحاديثه قلت بشكل ملحوظ، بدأ يهملهما كما يأتي متأخرا ليلا منهكا يدعي إنهاك العمل ليدخل غرفته وينام فورا .. بقي على هذا الوضع لمدة طويلة، وكانت ملاك تحاول اكتشاف مايحدث لأنه لا يتحدث و لا يخبرها شيء . بدأت تفكر في الانفصال لإعتقادها أن في الأمر خيانة ، قررت أن تستمر شهرا واحدا في صبرها لحين اكتشاف ما يخفيه وإن استمر الوضع على حاله ستتركه ..
يوما بعد يوم ولا يزداد الوضع إلا سوء و يافا تزداد حزنا لحال البيت و كٱبته فبعد أن كان بيتا سعيدا دافئا أصبح كأنه قعر مظلم يبث الحزن في قلوبهم .. حاولت ملك جاهدة التحدث إلى عمر لكنه يأبى حتى النظر في عينيها .
مر شهر كامل و حان الوقت أن تتحذ ملاك قرارها بالانفصال لأن الوضع لم يزدد إلا سوء ..
كان يوم الاثنين صباحا حينما ذهب عمر للعمل ويافا في روضها إغتنمت ملاك فرصة خلو المنزل لتحزم حقائبها وتغادر تاركة ورقة وداع جاء فيها :

عمر أو كما أسميتك ‘نوري‘ حينما التقيتك فقط شعرت أن قلبي ينبض ، عشت معك حب المئة عام ، هذا المنزل الذي أسميناه ملجأنا شهد على حكاياتنا ، على حب أسرة سعيدة ، شهد على روحين ملتصقين لا ينفصلان .. أما الآن و في هذه اللحظة تماما سنكون قد إنفصلنا ، بسبب خيانتك لي وللوعد ، فقد وعدتني أنك ستحبني لٱخر لحظة في حياتك ، وعدتني انك لن تخونني و لو بنظرة .. أتذكر جيدا يوما قلت لي لأصاب بالعمى إن نظرت يوما لإمرأة بإعجاب ، فمن تكون هذه التي جعلتك تصاب بالعمى على غيرها لدرجة تجعلك لا تطيق النظر في عيني . حقا أتسائل لكني لا أنتظر جوابا . انا الآن أغادر منزلنا و أغادرك وأغادر يافا ، إهتم بها فهي مازالت طفلة تحتاج لحنانك و رعايتك ، لم تستطع أن تكون زوجا على الأقل حاول أن تكون أبا ..
قلت لك يوما أنك الروح لنبضي ، لهذا أنا الآن أختنق .. كأنه انفصال روح وليس شخصين ، صعب أن أترك هذا المنزل لكن هذا قدري ، فقط إهتم بنفسك و بيافا .
الوداع عمر صاحب قلبي “.

كانت هذه الرسالة الورقية بمثابة سيموفونية وداع أخيرة كتبت بالكثير من الآلام و الدموع .غادرت بعدها دون وجهة معلومة ، خرجت تائهة فاقدة للوطنية ، للمأوى ولنفسها ،خرجت جسدا دون روح .
مر يوم كامل انتظرت فيه أن يتصل بها عمر ليعاتبها ، ليتوسل رجوعها ، ليبرر خيانته على الأقل .. لكنه لم يفعل مازادها كسرة . في اليوم التالي بينما هي في العمل فاقدة لأي معنى للحياة ، يرن هاتفها لتتفاجأ أنهم يتصلو من روض يافا .. ترددت كثيرا قبل أن تجيب . فأجابت في الأخير لتخبرها معلمة الروض أن يافا لم تحضر إلى حفل في مدرستهم ووالدها لا يجيب على هاتفه هو الآخر . إتصلت ملاك عدة مرات من هاتف المنزل على يافا لكي تجيبها لكن لا أحد يجيب .. فاتصلت برقم مجهول لعمر عله يجيب لكن دون جدوى ، ليتملكها شعور القلق .. أنهت عملها بصعوبة فكان كل تفكيرها بعمر ويافا .مباشرة بعد انتهاء عملها ذهبت للبيت ليطمئن قلبها ناسية كرامتها والكبرياء .. لقد نسيت داخلا مفتاح البيت ، يبدو أن البيت فارغا ظلت تطرق الباب مدة طويلة ،لتسمع جارتهم الطرق وتخرج عندها ممسكة بيد يافا اللتي تبدو عيناها متورمتان ومحمرتان من البكاء ..
جارتهم : لا يوجد أحد في البيت فمنذ ليلة البارحة ليلا ترك عمر عندي الفتاة لأنه جاءه أمر طارئ واضطر للرحيل منذ البارحة والفتاة تبكي على أبيها ، حاولت كثيرا الإتصال به لكنه لا يجيب ولا يفتح الباب ..
بدأت ملاك تقاوم تفكيرها بأي إحتمال سيء قد أصيب عمر فقررت أن تستعين بأحد ليفتح لها الباب ..
دخلت ملك المنزل وشعرت لوهلة بهيبة تملكتها كما لو كان المنزل يبكي . دخلت غرفة النوم لتتفاجأ بعمر نائم نادته لكنه لا يسمع ، بدأت توقظه لتجد أن يداه متجمدتان ونبضه لا يتحرك .. توسلته أن يستيقظ ، صرخت بأعلى صوت ، عندما أرادت حضنه سقطت ورقة من تحت وسادته جاء فيها :

ملاك ، ملاك حياتي و هل يمكن أن تصدقي أني أخونك ؟ هل يمكن أن أنظر لسواك ؟ حقا أنت مجنونة إذا صدقتي .. حبيبتي كنت أموت ألما منذ علمي أني مصاب بسرطان متأخر في الدم ، لم أرد رأيتكي تتعذبين بسببي ، كنت أتأخر للقدوم للمنزل لأني كنت أذهب بعد العمل للعلاج الكيميائي كان يتعبني كثيرا .. وأنا كنت افتقدكم بشكل مخيف ، عندما بدأت في الإبتعاد عنكم كي لا ترونني ضعيف وأتألم شعرت وكأني أبتعد عن نفسي .. كنت أتدور شوقا لكم ، لمنزلنا المعتاد لحياتنا السعيدة معا . ملاك حياتي لقد أسعدتني رسالتك الأخيرة لي رغم ان الحزن يكتسحها إلا أن حبك لي أكبر . أشعر أني سأرحل الليلة ، سأرحل و سترحلين في قلبي وسأكون سعيدا لأنك ستعتني بيافا فلن أؤمن لها مع أحد سواك فأنت أنا .. حبيبتي أرجوك أن تخبريها كم أحببتكم وكم أردت أن نعيش معا حياة طويلة سعيدة ، أخبريها أني رغبت أن نصنع الكثير من الذكريات والتفاصيل الجميلة .
أرجوك أن لا تبكي و كوني أقوى من ذي قبل ، اهتمي بنفسك وبيافا وأرجوك أحسني الإختيار في ما تبقى ..
أحبك الى الأبد ..

عمرك .”

شيماء شعبي

طالبة اقتصاد ، محبة للكتابة فهي الملجأ الوحيد من قسوة العالم و خيباته ...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *