تحليل الخطاب – الجزء الثاني

تطبيق أبعاد المنهج التداولي على نصوص مدونة الأسرة المغربية

لقراءة الجزء السابق من الموضوع : تحليل الخطاب – الجزء الأول

ما هي التداولية؟

تعتبر التداولية مبحثا لسانيا جديدا إلا أنها في الأصل ذات جذور عميقة ضاربة القدم، فهي ذات صلة بعدة حقول معرفية مختلفة، فأصبحنا نتحدث عن تداولية حقيقية لدى المناطقة وتداولية مقاربة لدى اللسانين وتداولية الإقناع لدى البلاغيين.
ومن هنا فإن السؤال المطروح هو كيف يتجلى حضور المنهج التداولي في العلوم الإنسانية، كالانثروبولوجيا، والسوسيولوجيا وعلم النفس؟ وكيف يتجلى حضور مقتضيات المنهج التداولي في نصوص مدونة الأسرة المغربية؟
سنجيب عن هذه الإشكاليات من خلال التقسيم الآتي في المقال.

المبحث الأول: التداولية بوصفها برادغيم في إطار علاقتها بالعلوم الانسانية

لقد ساهمت عدة حقول معرفية في بلورة العديد من المفاهيم الأخرى والتي تقف بموازاة مع هذا المفهوم على سبيل المثال لا الحصر مفهوم البرغماتية والنفعية والذرائعية والسياقية والفعلانية والمقامية بالإضافة إلى الوظيفية، ومن هنا فإن تتعدد الترجمات الأخرى لمفهوم التداولية نشأ عنه تعدد المواضيع التي يتم مقاربتها بواسطة هذا المنهج فأصبحت التداولية تسلط الضوء على المواضيع التالية:
– مقاصد المتكلمين  _ أغراض الكلام
– أساليب الخطأ _ التفاعل في الخطاب
– البعد السياقي _ الحجاحي
– الملفوظية _ استعمال اللغة في الخطاب

كما أن التداولية اكتست أهميتها كنمهج من خلال كونها ذات أبعاد معرفية متعددة، فمثلا صلتها بالأنثروبولوحيا تتضح من خلال ماقدمه كلود ليفي ستراوس والذي يرى بأن اللغة شيئاً عاماً وليس فرديا، كما أن النموذج اللغوي يحضر من خلال التقاليد التي تمارسها الساكنة والتي تحضر من خلال مجموعة من الطقوس والممارسات ذات الصبغة الجمعية، كما تشترك التداولية مع البعد السوسيولوجي في كونها ذات أبعاد كمية وكيفية.

وهناك بعد ثالث تحضر من خلاله التداولية ألا وهو البعد النفسي فمن خلال إسقاط هذا المنهج على نظريات John Watson يتضح لنا في النظرية السلوكية أن كل سلوك هو بمثابة نتيجة لوجود مثير ما، فالمثير هو تعبير للأحداث التي تسبق الكلام (أي السبب في كلام المتكلم)، ويقابل هذا المثير مايسمى بالاستجابة وهي الأحداث اللاحقة للكلام (أي السبب في استجابة السامع)، ويمكن التعبير عن هذه السيرورة بتعبير رياضي كالتالي:

الأحداث العملية السابقة للكلام + الكلام + الأحداث العملية اللاحقة للكلام = موقف كلامي

وفي هذا السياق نستحضر نظرية الفعل الكلامي والتي برزت مع أوستين في 1951، حيث أخرجت هذه النظرية اللغة عن بعدها الاختزالي المتمثل في الكلام إلى كونها أداء لعدة أعمال ووسيلة للتأثير الاجتماعي

صورة تعبيرية

المبحث الثاني: تطبيق المنهج التداولي على بعض نصوص مدونة الأسرة المغربية

في هذا المبحث سنوضح مدى حضور المنهج التداولي في نصوص مدونة الأسرة المغربية والتي وضعت سنة 2004، حيث راعى المشرع المغربي في سنه للمواد حضور الاتفاقيات الدولية التي تمت المصادقة عليها، وبذلك يترتب عنها إعمال مبدأ الملائم، ذلك يعني أن سن المشرع لنصوص المدونة جاء مراعيا لسياقات عدة محققة لكرامة الرجل وإنصاف المرأة والمصلحة الفضلى للطفل.

وفي حديثنا عن السياق نستحضر المنهج التداولي، في المادة التاسعة عشر من مدونة الأسرة، والتي تنص على أنه: “تكتمل أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمان عشرة سنة شمسية”، فمن خلال تحليل هذه المادة في ضوء المنهج التداولي يتضح لنا أنها تندرج ضمن نظرية الاستلزام الحواري، خاصة في مبدأ الكم، حيث أن هذه المادة حددت سن الزواج لكل من الذكر والأنثى، وهذا الخطاب محدد بقدر معلوم (ثمان عشرة سنة شمسية)، وبالتالي فإن هذه المادة جاءت رابطة بين المقال ومقتضى الحال، بمعنى أن هذا النص جاء مراعيا لطبيعة السياق الكلي، والمتمثل في مصادقة المغرب على العديد من الاتفاقيات الدولية والتي تفرض أحكاماً ذات صلة بالنظام العام والتي لاينبغي مخالفتها أو الاتفاق على ذلك، كما أن هذه المادة تقترن بالمنهج الموضوعات بوصفه أحد أهم المناهج الإجتماعية، والتي تساهم في تفكيك بنية النص مع الربط بين الدلالة الواعية والغير واعية.

وكمثال آخر نستحضر المادة التاسعة والسبعين من المدونة والتي تنص على أنه: “يجب على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة بالإشهاد به لدى عدلين منتصبين لذلك بدائرة نفوذ المحكمة التي يوجد بها بيت الزوجية أو موطن الزوجية، أو موطن الزوجة أو محل إقامتها أو التي أبرم فيها عقد الزواج حسب الترتيب”، فمن خلال هذه المادة تحضر نظرية الأفعال الكلامية، فالطلاق من العقود التي تقتضي حضور تفاعل متبادل بين الطرفين (بمعنى أن هناك طرفا مرسلا وطرفا آخر مستقبل)، وبالتالي فإن إيقاع الطلاق مقرون للفظه في الوجود، كما أنه فعل مرتبط بقصد اللافظ ونيته.

وهكذا يمكن القول بأن التداولية بوصفها أحد مناهج تحليل الخطاب هي منهج يراعي في الخطاب كل من المخاطَب والمخاطِب وسياق الخطاب، كما أن المنهج التداولي يطبق على عدة نصوص منها الأدبية، والفكرية، والمراسلات، وكذلك الخطابية، حيث أن هذا الأخير حضر كما أشرنا من خلال خطابات النصوص القانونية، وكل ذلك يعود لكون التداولية منهج ذو أبعاد متعددة.

المراجع المعتمدة

مدونة الأسرة المغربية
بنيوية كلود ليفي ستراوس أو نحو فونولوجيا للثقافة: جمال فزة
مقدمه في علمي الدلالة والتخاطب: محمد محمد يونس علي

تحليل الخطاب – الجزء الثاني

أسماء الكعدوس

باحثة في قضايا الأسرة والمجتمع . كاتبة ومصورة فوتوغرافية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *