الموضوع فيه إن

حكاية مقولة ذائعة الصيت

من ذكاء العرب ونباهتهم قولهم دائما للموضوع الذي فيه شك وسوءُ نية ” الموضوع فيه إنَّ” !!
فما قصة هذه الـ “إنَّ”؟ وما أصل هذه العبارة التي ورثناها أباً عن جد؟!

كان في مدينةِ حلَب أمير ذكي فطِن شجاع اسمه «علي بن مُنقِذ»، وكان تابعًا للملك (محمود بن مرداس)، وقد حدث خلاف بين الملك والأمير، وفطن هذا الأخير إلى أن الملك سيقتله، فهرب مِن حلَب إلى دمشق.

طلب الملك من كاتبه أن يكتب رسالة إلى الأمير عليِ بنِ مُنقذ يطمئنه فيها ويستدعيه للرجوعِ إلى حلَب. وكان الملوك يجعلون وظيفة الكاتب لرجل ذكي حتى يحسن صياغةَ الرسائلِ التي ترسل للملوك، بل وكان أحيانا يصير الكاتب ملكا إذا مات الملك.

شعر الكاتبُ بأن الملك ينوي الغدر بالأمير، فكتب له رسالة عادية جدا، ولكنه كتب في نهايتها: “إنَّ شاء اللهُ تعالى”، بتشديد النون !

لما قرأ الأمير الرسالة، وقف متعجبا عند ذلك الخطأ في نهايتها، حيث كلمة “إنَّ” في عبارة “إن شاء الله” لاتحتاج إلى شَدة، وهو يعرف حذاقة الكاتب ومهارته، فأدرك فورا أن الكاتب يحذره من شيء ما حينما شدّدَ تلك النون!
ولمْ يلبث أنْ فطِنَ إلى قولِه تعالى: {إنّ الملأَ ياتمرون بك ليقتلوك} (الآية 20 من سورة القصص).

صورة تعبيرية

ثم بعث الأمير رده برسالة عادية يشكر للملك أفضاله ويطمئنه على ثقته الشديدة به، وختمها بعبارة: «إنّا الخادمُ المقرُّ بالإنعام» بتشديد النون في إنّا ! والصحيح هو بدون شدة.

فلما قرأها الكاتبُ فطِن إلى أنّ الأمير يبلغه أنه قد تنبّه إلى تحذيره المبطن، وأنه يرُدّ عليه بقولِه تعالى: {إنّا لن ندخلَها أبدًا ما داموا فيها} (الآية 24 من سورة المائدة)، واطمئن إلى أنّ الأمير ابنَ مُنقِذٍ لن يعود إلى حلب في ظل وجود ذلك الملك الغادر.

من هذه الحادثة صار الجيل بعد الجيل يقولون للموضوع إذا كان فيه شك أو سوء نية أو غموض: «الموضوع فيه إنّ»؛ وكان القرآنُ هو إطارَ الحياة في مجمل القصة.

وقد قال ابنُ الأثير: “وهذا من أعجبِ ما بلغَني من حدة الذهنِ وفطانة الخاطر، ولولا أنه صاحبُ الحادثةِ المَخُوفةِ لَمَا تفطَّن إلى مثلِ ذلك أبداً؛ لأنه ضَب من علم الغيب، وإنما الخوفُ دلَّه على استنباط ما استنبطَه”.

الموضوع فيه إن

Exit mobile version