مونديال قطر وتحطم نظرية المركز والهامش

من منا لم يتعلم في المدرسة نظرية المركز والهامش؟ من منا لم يسمع بتقسيم دول العالم إلى “دول الشمال” المتقدمة والمتطورة، “ودول الجنوب” الفقيرة والمتخلفة. كل هذه الأشياء كنا نتعلمها في المدرسة ونحفظها دون نقاش، نسلم بقدرنا المحتوم بأننا أبناء دول الجنوب، دول الهامش، سواء في أفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية، ولم نحلم يوما في أن نتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي أو اليابان في قطاعات مثل التعليم أو الصحة أو الشغل، وحتى الحقوق والحريات.

وكما آمنا بهذا القدر في مجالات السياسة والاقتصاد، آمنا به في مجال الرياضة أيضا، فكنا مع دول الهامش في المنافسات الرياضية، وكمثال على ذلك بطولة كأس العالم، التي تجري منافساتها هذه الأيام، كان أقصى طموحاتنا دائما أن نتجاوز دور المجموعات في هذه البطولة، سواء نحن كمنتخبات عربية أو إفريقية أو آسيوية. هل حلمنا يوما بالتتويج بكأس العالم؟ هل اعتبرنا أنفسنا يوما خصما للبرازيل أو فرنسا أو ألمانيا أو الأرجنتين؟،

لا ،فهذه المنتخبات ومنتخبات أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا وانجلترا..، هي دول المركز في منافسات كرة القدم، بينما منتخباتنا نحن منتخبات الهامش لا غير، تأتي للعب ثلاث مباريات في دور المجموعات وتغادر.
لكن يبدو مونديال قطر حطّم هذه النظرية، ولو بشكل جزئي، فمنذ الأيام الأولى للبطولة توالت المفاجآت وتتابع سقوط منتخبات المركز، السعودية تهزم الأرجنتين، تونس تتغلب على فرنسا، الكاميرون تحطم غرور البرازيل، اليابان تلقن ألمانيا وإسبانيا دروسا في كرة القدم، كوريا الجنوبية تفاجئ البرتغال، وفوق كل هذا نجد الإنجاز التاريخي الذي حققه منتخب المغرب.
لم تتعد مشاركات المغرب في كأس العالم ست مشاركات، كان أفضلها نسخة 86 في المكسيك عندما تمكن المنتخب المغربي من العبور إلى الدور الثاني، وبقينا منذ ذلك الحين نكرر بفخر هذا الإنجاز، رغم بساطته فهو بالنسبة إلينا كمنتخبات الهامش أو الجنوب شيء يستحق الفخر به.

لكن مونديال قطر بدد كل هذه الأشياء وأسقط مركزيات كرة القدم، ووّسع الحلم والأفق أمام منتخبات الهامش، والمغرب خير مثال على هذا، فبعد بداية موفقة مع كرواتيا تبعه نصر على بلجيكا المصنف الثاني في لائحة منتخبات العالم، تأكد التأهل إلى الدور الثاني بعد فوز مستحق على كندا، غير أن أحلام المغاربة، ومعها أحلام الملايين ممن تُحسب منتخبات بلادهم مع منتخبات الهامش، ستكبر حتى وإن الخصم منتخب إسبانيا، حيث الريال والبارصا، لتتحطم تلك الهالة من الهيبة التي كانت تتغطى بها إسبانيا، وتترسخ أكثر فأكثر قناعة أن منتخبات لا تقل عن مركزيات كرة القدم التي احتكرت اللعبة لعقود، وأن من حقنا أن نوسع أفق أحلامنا.

وهذا ما كرره مدرب المنتخب المغربي حين قال، ما مضمونه،: “من حقنا أن نحلم وأن نغير العقلية العقيمة”.
سقوط نظرية المركز في مونديال قطر ستستمر وتتأكد مع خروج البرتغال على يد المغرب، الذي سيتأهل كأول بلد إفريقي وعربي لنصف نهائي كأس العالم، سيتأهل كمنتخب من منتخبات الهامش ومنتخبات بلدان الجنوب.

إن تحطم هذه النظرية على الأقل في مجال الرياضة، يؤكد بطريقة أو بأخرى أن بلدان الهامش أو الجنوب تستطيع أن تحطم هذه النظرية في مجالات أخرى، خاصة وأننا نرى بلدان آسيوية من بلدان الهامش تحتل مراتب متقدمة في التعليم والصحة والحقوق والحريات والاقتصاد.

إن الدرس الذي يعلمنا إياه مونديال قطر أن نؤمن بأحلامنا وأن نوسع أفق طموحاتنا، وأن لا نرضى بأن نكون أقل من غيرنا، فقط نحتاج إلى العمل والمثابرة. فبعد كل هذه النتائج المحققة في مونديال قطر يمكننا أن نقول بحق أنه مونديال تحطم المركزيات الكبرى في كرة القدم، وأن تحطم هذه المركزيات في العالم السياسة والاقتصاد ممكن أيضا، إذا ما توفرت العزيمة والرغبة عند حكومات بلدان الهامش، كما توفرت هذه العزيمة والرغبة عند لاعبي منتخبات بلدان الهامش في مونديال قطر.

ولعل أفضل ما نرجو تحققه الآن هو أن تستمر رحلة منتخب المغرب في هذا المونديال، وأن تكون هذه الرحلة ملهمة لنا كمواطني من بلدان الهامش والجنوب، كما يتم تصنيفنا، من أجل شعار واحد “الحلم يكبر والأفق يتسع”.

محسن أولاد سي علي

أستاذ مادة اللغة العربية، حاصل على شهادة الإجازة في الدراسات العربية تخصص اللسانيات، وطالب باحث في سلك الماجستير التأويليات والدراسات اللسانية. مغربي الجنسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *