التحولات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة وأثرها في تطبيق نظام الأمن الجماعي

الملخص التنفيذي

تم إنشاء منظمة الأمم المتحدة لتضع حدا للنزاعات الدولية، ولتوقف الحروب، وللمساعدة على تقدم الشعوب ورقيها، وذلك من خلال الأجهزة التابعة لها. وقد عملت المنظمة على تطبيق نظام الأمن الجماعي.

وغلب على العلاقات الدولية منذ الحرب العالمية الثانية حرب باردة بين المعسكر الغربي (الولايات المتحدة الأمريكية) والمعسكر الشرقي (الاتحاد السوفياتي)، إذ حاول كل طرف نشر إيديولوجيته وتثبيتها في دول العالم، إلا أن هذه الحرب انهارت و جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر بشكل نسبي على مجرى العلاقات الدولية إضافة لمجموعة من التغيرات الدولية بعد الحرب الباردة.

مقدمة: 
في إطار عملها على حفظ السلم والأمن الدوليين، وضعت منظمة الأمم المتحدة نظام مقابل للعدوان ويمكن من تحقيق الأمن الذي يعتبر مسألة إستراتيجية وحساسة بالنسبة للدول، وقد جاء نظام الأمن الجماعي ليقوم بنوعين من التدابير، الأول وقائي لمنع وقوع العدوان، والثاني علاجي لصد ذلك العدوان ومعاقبة المعتدي على فعله الغير المشروع. فهذا النظام عرف تطورات مع مجموعة من الأحداث الدولية كما أن المنظمة حاولت تطبيقه باعتباره وسيلة تمكن من الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
وفي هذا السياق، فإن الإشكالية التي تعالجها هذه الورقة تكمن في تأثير التحولات الدولية على تطبيق نظام الأمن الجماعي بعد نهاية الحرب الباردة.
وتم الإعتماد على النظرية المثالية في هذه الدراسة، فهي رأت أنه لابد من إنشاء منظمة دولية تعمل على إحداث التقارب بين الشعوب و الثقافات المختلفة، وتحريم الحرب عبر تشكيل تحالف جماعي للدول ضد الأنظمة التي تهدد السلم والأمن الدوليين.

تطور نظام الأمن الجماعي كمفهوم نقيض ل”توازن القوى”

هذا النظام تبلور من خلال عدة صيغ لتنظيم المجتمع الدولي في أعقاب الحروب الأوروبية بدءاً من معاهدة “وستفاليا” عام 1648، مرورا بمعاهدة “أوتراخت” عام 1713، وصولا إلى معاهدة “فيينا” عام 1815، عقب هزيمة نابليون بونابرت، والذي استمر حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى وخلق “عصبة الأمم” عام 1919 والتي لم تنجح في تحقيق كل أهدافها، وكانت الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945 تعبيراً أخيرًا عن الإرادة الدولية وتنظيمها للأمن الدولي.
ونظام الأمن الجماعي يعد نقيضا لمفهوم توازن القوى الذي يعني أن الأمن مسؤولية ذاتية تقع على عاتق كل دولة، فسعيها للحفاظ على السلام ينطلق من دافع المصلحة الذاتية وبالتالي فالسلام الذي يهمها الحفاظ عليه هو السلام الذي يخدم هذه المصلحة، أما نظام الأمن الجماعي فالدول تتجمع بدافع الحفاظ على السلام العام.
الدول فضلت فلسفة التوازن لحماية مصالحها القومية المباشرة بالتالي انخرطت في أحلاف تنافسيه جعلت من تطبيق الأمن الجماعي أمراً صعباً إذا لم يكن مستحيلاً خاصة في ضوء الإمكانات التقنية الهائلة التي يملكها كل حلف من هذه الأحلاف، وفي ضوء هيمنة الدول الكبرى صاحبة هذه الأحلاف على مجلس الأمن الأداة التنفيذية لفكرة الأمن الجماعي مما شل أعماله.

نظام الأمن الجماعي بين ما هو نظري في الميثاق وما هو مطبق في الواقع

الأمن الجماعي هو نظام تضمنه ميثاق منظمة الأمم المتحدة، والذي جاء بمجموعة من القواعد والمبادئ التي يتعين على الدول إحترامها، كتحريم اللجوء إلى القوة أو التهديد بها، والإلتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتسوية المنازعات بالطرق السلمية.
وقد نصت الفقرة الخامسة من المادة الثانية على أنه يجب على جميع الأعضاء تقديم كل ما في وسعهم من عون إلى المنظمة والإمتناع عن مساعدة أية دولة تتخذ الأمم المتحدة إزاءها عملا من أعمال المنع أو القمع.
كما حاول الميثاق أن يضع تحت تصرف مجلس الأمن الوسائل والإمكانيات لإدارة العمليات العسكرية فالمادة 43 نصت على ضرورة تعهد جميع أعضاء منظمة الأمم المتحدة على وضع قوات مسلحة ومساعدات وتسهيلات لحفظ السلم والأمن الدولي.
لكن ما جاء في الميثاق لم يضع حدا للنزاعات الدولية وعلى الرغم من صدور المئات من القرارات الدولية من مجلس الأمن والجمعية العامة فإن الحروب اندلعت في أكثر من منطقة من العالم، لأن تشغيل نظام الأمن الجماعي توقف عمليا على شرط جوهري، وهو تحقيق التوافق بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
نهاية الحرب الباردة قدمت أملا في تنشيط دور الأمم المتحدة وولادة جديدة للأمن الجماعي، في سياق “نظام عالمي جديد”، لكن ظهور مجموعة من العوامل جعل من الصعب تطبيق نظام الأمن الجماعي بعد هذه الفترة.

تأثير التحولات الدولية على تطبيق نظام الأمن الجماعي بعد الحرب الباردة

بعد نهاية الحرب الباردة عرف النظام الدولي مجموعة من التغيرات الدولية ساهمت بدورها في عدم تطبيق نظام الأمن الجماعي الذي كان ينادي به ميثاق الأمم المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
فالبيئة الدولية بعد الحرب الباردة أصبحت تعيش في حالة من الفوضى نظراً لغياب سلطة مركزية فعالة تعمل على تنظيم العلاقات الدولية. والدولة لم تعد الفاعل الوحيد المحتكر للعلاقات الدولية بل أصبحت تتقاسم سيادتها مع مجموعة من الفواعل الأخرى التّي تؤثر على صنع قراراتها الداخلية والخارجية كالمنظمات الدولية، الشركات المتعددة الجنسيات، ظهرت نزاعات جديدة، بعد بروز العديد من الحركات الانفصالية التّي تطالب بتشكيل دول قومية. كل هذه التحولات أبانت أنه هناك هوة كبيرة بين التطبيق والنصوص القانونية المتفق عليها لممارسة الأمن الجماعي.

إستنتاجات:• المجتمع الدولي حاول إيجاد نظام أمن جماعي يحد من العدوان بين الدول ويؤسس لبناء نظام دولي.

• إستمرار النزاعات وتجاوز دور المنظمة هي كلها عوامل ساهمت في تعريض صدقية منظمة الأمم المتحدة ونظام الأمن الجماعي للخطر.
• نهاية الحرب الباردة أعطى أملا لإعادة إحياء نظام الأمن الجماعي، لكن التحولات الجديدة التي عرفها النظام الدولي حالت دون ذلك.
• إصلاح منظمة الأمم المتحدة وخصوصا مجلس الأمن يمكن أن يساعد على تطبيق نظام الأمن الجماعي، حيث أن الدول الخمس الدائمة العضوية تعتبر عائقا يمنع الدول الضعيفة من الإستفادة من هذا النظام.

بيبليوغرافيا :
جارش عادل، “الأمن الجماعي في الواقع الدولي”، المركز الديمقراطي العربي، 2016
أحمد علو، “إستراتيجيا الأمن الجماعي ما بين تعدد الأقطاب والقطب الواحد”، مجلة الجيش، العدد 62، 2007.
حسن نافعة، “هل انهارت منظومة الأمن الجماعي الدولية؟”، موقع الميادين.
محدة عبد الباسط، ” تحديات نظام الأمن الجماعي للأمم المتحدة”، مجلة المفكر، العدد 12.
Jean-Michel GUIEU, Guaranteeing Peace through “Collective Security” in the 20th Century, digital encyclopedia of european history.

Exit mobile version