هذه الحياة

هل يتحقق حلم الإنسان في الحياة ؟

ها هي الحياة تمد إليكَ يدها من جديد، ها هي تعانقكَ، تبتسم لك مرة أخرى، ها هو ثغرها يناديك تعال إلى هنا. بالأمس القريب لم تكن تحلم بكل هذا، كنتَ ترى أن لعنة أصابتك، وأن الحياة لم تعد تعني لك أي شيء. حاولتَ الانتحار، لكن يبدو أن الحياة تريدك أن تتعذب أكثر، أن يتغلغل الألم إلى أعماقك.
خرجتَ في ذلك المساء بعد وفاة والدك، خرجتَ إلى الشوارع تائها، وفي داخلك نار تلتهمك، تركتْ وفاة والدك في قلبك غصة إلى الأبد. فقد رحل قبل أن يرى تعب دراستك سنوات طويلة يؤتي ثماره، قبل أن يفرح بوظيفتك، براتبك الأول، لكن يد الموت أطول وأسرع.
حتى حلمك الذي روادك منذ صباك لم تتمكن من تحقيقه، أن تصبح كاتبا كبيرا، وانتهى بك المطاف في وظيفة لم تخطر على بالك يوما.
وحبك الأول لفتاة عمرك، كُتِب له الفشل والضياع، تلاشى كما يتلاشى الغبار في يوم عاصف. راكمتَ الفشل تلو الآخر، وكأنك خُلقتَ لتفشل فقط. أحببتها من كل قلبك، بينما كانت هي تقوم بتزجية الوقت بك لا غير.
لكن الحياة لم تنساك أبدا، كانت تختبر صبرك لسنوات، وها هي الآن تنهزم أمام صلابة تحملك. كانت أعظم لحظة لك عندما اتصل بك الناشر يريد مخطوط روايتك، ها أنت الآن تقف على واجهة حلمك، حلمك المستحيل، هكذا وصفوه. لكن النافذة التي كانت تطل على الأمل تُفتح الآن، تلك النافذة التي اعتبرها البعض تطل على الوهم.
إنها الحياة تمد يدها إليك، وأنت لم تكن جبانا هذه المرة، لم تستيقظ في الصباح الباكر للذهاب إلى وظيفتك، تلك التي استنزفت منك زهرة عمرك، كرهتَ ذلك الروتين، والراتب الذي بالكاد يسمح لك بالضروريات من الحياة. كنتَ شجاعا في ذلك الصباح عندما أخذتَ هاتفك وصدحت في وجه مديرك:
لن آتي بعد اليوم.

ولم تدرِ أنك بعدما أغلقت الهاتف كنتَ قد فتحتَ لنفسك عالمك الخاص، وعانقتَ الحياة وأنت تلثم ثغرها بنهم، كأنك تولد الآن، وكأنك تعتنق نفسك في هذه اللحظة، كراهب بوذي ولدتَ من جديد، في تلك اللحظة كنتَ أنت ولم يكن أحد آخر.

محسن أولاد سي علي

أستاذ مادة اللغة العربية، حاصل على شهادة الإجازة في الدراسات العربية تخصص اللسانيات، وطالب باحث في سلك الماجستير التأويليات والدراسات اللسانية. مغربي الجنسية.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *