دروس المونديال

كرة القدم ليست لعبة للتسلية وإضاعة الوقت كما يراها البعض، وهذا ما استنتجناه طيلة أيام المونديال وما سيلاحظه المتتبع للدوريات الكبرى في العالم، حتى وإن كنت لا تتابعها ولست من عشاقها حتما ستخرج بملاحظة معينة من خلال ما حققه المنتخب في هذه التظاهرة العالمية وهو الأمر الذي لا يعتبر بسيطا أبدا ولن يتم استيعابه إلا بعد فترة طويلة.
أن تصل إلى المربع الذهبي في كأس العالم بعد الإطاحة بمنتخبات كبيرة بنجومها ومدربيها في مسابقة ليست إقليمية أو قارية بل هي منافسة عالمية. أن يتم البحث عن اسم بلدك عبر شبكة الأنترنت بشكل كبير، أن يتحدث عنك الجميع ويلبسوا قميص منتخبك ويلوحوا بعلمك، إنه لفخر كبير وإنجاز عظيم والأهم منه والجميل في هذا كله أن جميع الفئات التي تابعت المونديال خاصة الأطفال منهم سيترسخ في أذهانهم معنى الحلم، أن تحلم بتحقيق ما يعتقده البعض صعبا أو مستحيلا؛ بشرط أن يتم استئناف هذا الإنجاز وذلك بتعليم الأطفال وتدريسهم بشكل صحيح وترسيخ مبدأ العمل الجاد والصحيح الذي يتنج عنه النجاح، فهذا الأخير ليس لعبة حظ ولا يأتي من فراع ولكنه يتأتى بالمحاولة تلو الأخرى، وكنتيجة لمجموعة من التراكمات عبر السنين. وأعتقد أنه لو اجتمع كل مدربي التنمية الذاتية ليعلموك الثقة بالنفس والإيمان بقدراتك والعمل بجد لما استطاعوا ذلك أو على الأقل لن يتمكنوا من إيصال المغزى كما فعل المدرب مع المنتخب خلال مباريات كأس العالم .
حين تؤمن بقوة وعزيمة أبناء بلدك وتضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، سيتحقق ما عشناه خلال أدوار المونديال. أجيال كثيرة لم تعش هذا الحلم والواقع الجميلين فقط الانكسارات والاحباط الذي سيطر على المشهد حتى ظن الجميع أن هذا هو الأصل.
الجميل في مثل هذه التظاهرات هو قدرتها على جعلك تتابع اللقاءات وحوارات بعض اللاعبين. تلمس من خلالها العقلية الاحترافية في أفكارهم والطريقة التي يجب أن يكون عليها اللاعب الذي يبحث عن مكانه بين النجوم. ودور البيئة في تغيير الأفكار ونظرة الإنسان إلى جوهر الحياة، ولا شك أن السفر إلى الضفة الشمالية من الكرة الأرضية يغير الكثير من القناعات فما تراه هنا مستحيلا قد يبدو لك أمرا عاديا يمكن تحقيقه هناك، طبعا بتوفر الإمكانات والأجواء المناسبة والتحفيز المطلوب. هذا لا يعني الإنتقاص من قيمة أوطاننا ولا التغني بمستوى الغرب أو ما يسمى “عقدة اللأجنبي” لكن هذا هو الواقع يجب التعلم منه وأخذ كل ما هو إيجابي منهم، فنحن لا ينقصنا شيء لكن في نفس الوقت نحتاج إلى الكثير وإلى تغيير الكثير؛ ويحتاج الإنسان أن يفكر بطريقة مختلفة وكونية وخارج الصندوق بعيدا عن الأفكار المتجاوزة والقوالب الجاهزة بالتوازي مع مبادئه ومعتقداته. وهنا الأمر لا يتعلق فقط بمجال كرة القدم بل يشمل جميع القطاعات.
دير النية” هذا المفهوم الذي يعرفه المغاربة جيدا ويرددوه دائما، وضعه المدرب الرگراگي على طاولة النقاش وتحدث عنه كثيرا مقرونا برضا الوالدين، فالنية كانت داخل الملعب وخارجه، تتدحرج بالتوازي مع كل كرة تلمسها أرجل اللاعبين، مع تسديدة حكيمي الأخيرة، وحين قفز النصيري فوق الجميع، مع قفازات بونو وارتماءاته، مع العارضة دفاعا عن الأسود، ومشاهد كثيرة.
النية عند المغاربة تُذكر دائما ويُحث على استعمالها عند بداية كل عمل، حتى وإن كان البعض لا يتصف بها ولا يعمل بها ولا يظهر شيء منها في تصرفاته. الناخب الوطني طرح مصطلح راسخ في لاوعي المغاربة كل يفهمه بطريقته، ذكّرنا بأهم النقاط التي تساعد على النجاح، النية مفهوم شامل يعني التوكل والعمل الجاد مع الكثير من الصدق، أن تعمل لبناء بلدك لا لسرقته والتحايل على فقراءه، أن يكون قلبك صافيا وبلون خطوط الملعب.
الإنتماء لا يبلى، وقد برهن على ذلك كل من حمل القميص الوطني، خاصة اللاعبين المحترفين بأوروبا، لماذا؟ لأنهم ولدوا وتعلموا في دول المهجر، لكن رغم ذلك فضلوا حمل القميص الوطني لبلدهم الأصل، كانت تنتشر أقاويل بأنهم أقل وطنية على اعتبار أنهم يتحدثون كثيرا بلغة بلد المنشأ والقليل من لغتهم الأم أمام الإعلام، رغم أن الكثير منهم مازالوا يحافظون على لغتهم الأم الأمازيغية منها والعربية رغم ظروف الغربة. إلا أن ملاعب قطر كانت مسرحا لنفي كل ذلك ومكانا مناسبا للتعبير عن حبهم لوطنهم بفخر وبالكثير من الإعتزاز على مرأى ومسمع من الجماهير الغفيرة، فعلوا كل شيء من أجل الفوز، إنهم الحالمون، حققوا أحلامهم وينتظرهم المزيد وينتظرنا نحن الكثير من الدروس لاستخلاصها والعمل بها.

Exit mobile version