“غادرني جدي حبيبي ولكنه ما يزال يسكن أعماقي”
توفى جدي رحمه الله بسبب مرض السرطان الخبيث. عاش صابرا لم تكسره قسوة الحياة، مرض بصمت دون أنين ودون شكوى، كان ملتزما بصلاته ولا يفوت فرضا، وفي يوم وفاته كنت أشعر بقلبي طول النهار منقبضا وكنت أفكر فيه كثيرا، كان نفس الإحساس الذي شعرت به عندما مات أبي رحمة الله عليه.
الخميس 06 دجنبر 2022 على الساعة 04:32 صباحا، اتصلت بي أختي الغالية فأخبرتني بأن حبيب قلبي جدي في ذمة الله -وبمجرد اتصالها توقعت أن جدي رحمه الله حدث له شيء ما-، فذهبت في أول حافلة إلى المدينة حيث يقطن خالي لألقي نظرة أخيرة على أبي الثاني الذي كانت حياتنا بوجوده أجمل.. كنت شاردة العقل طوال الطريق والدموع تسيل من عيني؛ لقد كان موت جدي مفاجئا.
بمجرد وصولي أدخلني خالي العزيز لإلقاء نظرة على المرحوم، فقبلت جبينه ويديه وتوسلت لروحه أن تستيقظ لكنها أبت؛ رٌسِمت على محياه ابتسامة جميلة وكأنه حي!! وجهه شديد البياض وتفوح منه رائحة أطيب من رائحة المسك لا زال عطرها في أنفي ليومنا هذا سبحان الله.
كان المنزل مكتظا بجموع المٌعَزِّين الذين انتقل رجالهم بعد ذلك إلى مسقط رأسه لدفنه حيث صلى عليه المئات ودعوا له بالرحمة والمغفرة.
حزننا لم يجد ما يطفئه سوى نظرة لتقاسيم وجه جدتي الحبيبة والدعاء لها أن يبارك الله في عمرها والأمل بالله أن يجمعنا وإياها معه في مستقر رحمته.
والدتي حفظها الله لي كان لها شوق عظيم لرؤيت جدي، إلا أن المنية خطفته منا قبل أن نقبل رأسه ونسلم عليه، فقد حجزت طائرة في نفس اليوم الذي غادرنا فيه من قبل بأسبوع لزيارته، فكانت الصدمة عندما أخبرتها أن والدها انتقل إلى جوار ربه الكريم.
كان جدي نور عيني يرحمه الله رحمة واسعة كريما محبا لإطعام الطعام، فإذا اجتمعنا نحن أحفاده يأمر بإقامة وليمة على شرفنا ليأكل الجميع وهم متحلقون حوله، كما كان لسانه لا يخلو من ذكر الله والدعوات لي ولأحفاده وأبنائه بين الحين والآخر بالنجاح والتوفيق والذرية الصالحة؛ عاش طول حياته جابرا لخواطر الجميع وما آذى يوما غيره ولو بكلمة.
تأجل الحزن أشهرا ثم هاجمنا بكل قوته، فقدت والدي رحمه الله في عز شبابي فكان جدي هو السند والأمان وكل شيء بالنسبة لي، لم تكن مجرد علاقة جد يمارس مهامه لحفيدته، بل كان لي مأواي وملجئي.
مرارة الفقد مؤلمة وغصة الحنين قاتلة فما يزال الألم ينتشر في منتصف قلبي لا يذهب، عندما يرحل شخص غالٍ على قلبك فمالك إلا أمران، أولهما الرضا بقضاء الله وابتلائه، وثانيهما الصبر، لا أراكم الله مكروها بقريب أو حبيب.
ذقت ألم اليتم وقصة رحيله منحوتة في عقلي، أحيانا أتمنى أن تعود الأيام للوراء كي أحتضنه بشدة، ذهب دون وداع.. لماذا تركني؟ كنت أتمنى له الشفاء في كل وقت وكنت أتوسل الله أن يبقيه معي ولكن أتاني خبر رحيله كالصاعقة، رحمك الله جدي الغالي وأسكنك فسيح جناته.
شكرا جدي لأنك تركت لنا سيرتك الطيبة.. أفتخر فعلا حينما يذكر اسمك بكل خير، في ذاكرتي وجهك البشوش ونبرة صوتك المطمئنة.. رحم الله ضحكتك التي لم تغب عن البال لحظة.
جدي الغالي، أعرف أنك لم ولن تسمعني، ولكن أحدثك لأعبر عما بداخلي اتجاهك؛ أعدك ألا أنساك من دعائي ومن صدقتي يا حبيب قلبي. لا أكتب عنك كي يحزن الناس وإنما ليزيل عني قليلا من حزني.
يارب صبرا منك أرتوي منه كلما اشتقت له وسكينة تنزل على قلبي عندما أحن لرؤيته، اللهم اجعلني خير حفيدة ولا تجعلني ألهو عن دعائي له.
لا يسعنا إلا ندعو الله أن يتغمدك بواسع رحمته وأن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة؛ وسلام على روحك الطاهرة النقية.
اللهم فردوسا ونعيما غير منقطع ولذة بنور وجهك تغشى موتانا غدوا وعشيا، اللهم ارحم جميع أموات المسلمين برحمتك التي وسعت كل شيء.
