سياسة الهجرة بالمغرب وسؤال التنزيل

إن التقدم الفكري الذي سمحت به الثورة الفرنسية سنة 1789، قد مهد لتغيير مهم للوضعية القانونية للأجانب. ومع ذلك بقي أن ننتظر القرن العشرين ليتم التطرق لقضية المساواة ما بين المواطنين والأجانب، وقد تحقق ذلك بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 وساندته الآليات الدولية ذات الغرض العام وخاصة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، أو بغرض أكثر تخصصا كالاتفاقيات التي تعنى بحقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق المهاجر واللاجئ ومنعدمي الجنسية…. ، وهكذا عرفت الوضعية القانونية للمهاجرين تحسنا ملحوظا على العموم مهما كان وضعهم القانوني. وإن لم تكن تعد جميع الدول، تعترف بالأجنبي، مهما كانت وضعيته (مهاجر نظامي أو غير نظامي أو لاجئ أو طالب لجوء أو منعدم الجنسية…) كإنسان يتمتع بحقوق الإنسان الأساسية وبحماية في حالة الهشاشة وذلك طبقا لمجموعة من الآليات المرتبطة بحقوق الإنسان.
وفي السياق المغربي عرف ملف الهجرة في العشرية الأخيرة منعرجا جديدا تميز باعتماد سياسة وطنية لإدماج المهاجرين، فما هي أهم أسباب اعتماد هذه السياسة؟ وماهي الفئات المعنية بهذه السياسة؟

أولا: أسباب اعتماد سياسة ادماج المهاجرين

إن التطور في الاعتراف بحقوق الأجنبي لا يعتبر بالضرورة انتصارا للكونية، ذلك أن عددا من القوانين المعاصرة عبر العالم، قامت بإدخال تقييدات تحد من حقوق الأجنبي. فرغم المصادقة على الاتفاقيات الدولية التي تعترف له بحقوق أساسية وتوفر له الحماية وخاصة بالنسبة للمهاجرين الغير النظاميين ومنعدمي الجنسية واللاجئين، فإن هذه الاتفاقيات لا تطبق دائما، وعادة ما يعزى هذا الامر الى القيود التي تعمد الدول الى سنها من خلال تشريعاتها الداخلية، إذ نجد مثلا أنه في الدستور المغربي ومن خلال ديباجته ينص على سمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية، غير أن هذا المقتضى مقيد بشرط (أن تكون هذه الاتفاقيات في نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة)، بالإضافة أيضا للاتفاقيات التي لم يصادق عليها.
أصبح المغرب بلدا لاستقرار المهاجرين فمكوثهم غدى يطول وأعدادهم تتزايد ومع ذلك ليوجد اٍجتياح أو أعداد ضخمة كما يروج البعض للتشديد من المقاربة الأمنية، كما أن ثلثي الهجرة في اٍفريقيا كمثال هي هجرة داخل القارة، هذا الوضع يشكل تحديا غير مسبوق مما تطلب تغيير سياسة الهجرة، والاسباب التي تجعل المهاجرين يفضلون المغرب ويستقرون به متعددة، فصحيح أن أولها مرتبط بالهجرة إلى أوروبا ومع ما تشهده من تشديد الدخول اٍليها، يجعل المهاجرين ينتظرون لمدد طويلة في دول العبور وكذلك الوضع في المغرب الذي هو نسبيا أفضل من عدة بلدان في التعامل مع المهاجرين وللمجتمع المدني دور في هذا من خلال اٍهتمامه بالمهاجرين .
بالمغرب عرف ملف الهجرة تطورا على مستوى المعالجة والتعامل، ففي سنة 2003 تم رسم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الهجرة الغير الشرعية، التي تمثلت في اصدار القانون 03.02 حول دخول وإقامة الأجانب بالمغرب والهجرة غير الشرعية، وبعد مضي أكثر من عشر سنوات صدر التقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان حول الهجرة واللجوء في 10 شتنبر 2013، وبتعليمات ملكية للمجلس الحكومي في 11 شتنبر 2013 تم وضع سياسة جديدة للهجرة هدفها:
• معاملة المهاجرين معاملة إنسانية
• الشروع في بلورة وتنفيذ سياسة جديدة في مجال الهجرة بشقها القانوني وغير القانوني وفق مقاربة تستحضر التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الانسان وتراعي حقوق المهاجرين
وتجدر الإشارة الى أن هده الاستراتيجية جاءت في سياق محكوم ببعدين، أولهما سياسي يتمثل في عودة المغرب إلى عمقه الأفريقي إد كان من بين الأسباب التي جعلت المغرب يتعامل مع ملف الهجرة بإيجابية وذلك نظرا للامتداد التاريخي والجغرافي والجيواستراتيجي للمغرب، وهذا نتج عنه الاعتراف بالهوية المشتركة مع الأفارقة، بالإضافة إلى أن سياسة المغرب في مجال الهجرة تندرج ضمن حسابات مرتبطة بمصالح اقتصادية وسياسية مع الجيران الأوروبيين في الضفة الشمالية، وبالخصوص مع الأسبان، و فضل الإستراتيجية التي وضعها المغرب استطاع أن ينتقل من دور دركي أوروبا إلى شريك فعال لتدبير أزمة الهجرة وتأثيراتها على أوروبا. والبعد الثاني يتمثل في كون هده السياسة الجديدة جاءت استجابة للتحديات المطروحة خصوصا الإنسانية والحقوقية منها، إذ أن مضمون هذه السياسة يحث على الاهتمام بالجانب الحقوقي والعمل بالالتزامات الدولية في مجال الهجرة، ولتنزيل هذه السياسة تم العمل بداية على تسوية وضعية المهاجرين في وضعية غير قانونية، بالإضافة إلى سياسات حكومية مختلفة تهدف لتمكين المهاجر من عدد من الحقوق قصد تسهيل عملية إدماجهم.

ثانيا: الأجرأة وسؤال التنزيل

إن غياب وثائق الهوية للمهاجرين الغير النظاميين وعدم التصريح وتسجيل اطفالهم المولودين بالمغرب بالحالة المدنية المغربية، تمثل مشاكل كبرى تواجه المهاجرين واللاجئين وتؤدي إلى إشكاليات مستعصية يتوجب على المغرب إيجاد حلول لها للوقاية والحد من ظاهرة انعدام الجنسية. هذه الإشكالية المعقدة تبرز الحاجيات المهمة والانتظارات الكبرى للمهاجرين اتجاه المجتمع المغربي بكل مكوناته، وكذلك اتجاه دول الأصل ، لذلك دأب المغرب على تسريع وثيرة تنزيل مقتضيات الرؤية الاستراتيجية للهجرة، وقد همت هذه العملية في البداية، تسوية وضعية الأجانب المقيمين بالمغرب بصفة غير قانونية، وشملت:
1. الأجانب المتزوجين من أجانب مقيمين بصفة قانونية بالمغرب
2. الأطفال من زواج مختلط، أو من زوجين أجنبيين
3. الأجانب الذين يتوفرون على عقد عمل فعلي
4. الأجانب المقيمون بالمغرب بصفة مستمرة لأكثر من 5 سنوات
5. الأجانب المصابون بأمراض خطيرة

في المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 18 ديسمبر 2014 تم عرض هذه الاستراتيجية الخاصة باللجوء والهجرة، والتي تضمنت 11 برنامجا، همت مجالات التربية والثقافة، الشباب والرياضة، الصحة والتشغيل… وفي مرحلة أولى تم اصدار بطاقة إقامة مدتها سنة من طرف المديرية العامة للأمن الوطني لصالح المهاجرين المستوفين للشروط المحددة آنفا.
إن هذه السياسة الجديدة وفي مراحلها الأولى كانت عرضة لمجموعة من الانتقادات، فاعتماد سياسة الهجرة فيما يخص المهاجرين القادمين إلى المغرب، لا تنحصر في الإجراءات القانونية كتسوية وضعية المهاجرين القانونية، ولكن العمل على ادماج المهاجرين داخل المجتمع ولو أن المعالجة القانونية مدخل أساسي لهذا الاندماج، فهل يمكن القول اذا بأن هذه السياسة هدفها الوصول إلى مساواة شاملة بين المهاجرين والمواطنين؟ وفي حالة تسوية أوضاع المهاجرين القانونية هل يمكن الحديث على كون المقيم مواطنا يستفيد من نفس الحقوق وله نفس الواجبات؟ وكيف تكتسب صفة المواطنة؟ ووفق أية معايير؟

المراجع

• مليكة بن الراضي، الوقاية من انعدام الجنسية عند المهاجرين وأطفالهم بشمال إفريقيا: دور بلد الاستقبال وبلد الأصل في تسجيل الولادات والحصول على وثائق الهوية في المغرب ومصر، الجمعية المغربية للدراسات والأبحاث حول الهجرة، 2018
• محمد لهون، المغرب والهجرة، من العبور إلى الاستقبال، التحديات والافاق، رسالة نيل شهادة الماستر في الحقوق الإنسانية والقانون الدولي والتشريع الوطني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية شعبة القانون العام، جامعة سيدي محمد بن عبدالله ظهر المهراز فاس، 2018-2019
• هشام العقراوي، سياسة المغرب في مجال الهجرة واللجوء “الأسس والأبعاد”، المركز الديمقراطي العربي، 17 يوليو 2017

عبدالإله أصبان

باحث في القانون العام والعلوم السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *