كريكاليف أسطورة الفضاء

تخيل أن تكون في الفضاء بين الكواكب، تستمتع بالبحث والمهمة الموكلة لك خلال شهر، وتفكر أنك ستعود بعدها لوطنك، لحضن والدتك ودفء أسرتك، فإذا بك تتفاجأ برسالة فحواها “البلد الذي أرسلك ووعدك بالعودة لم يعد موجودا نعتذر منك، ابق هناك”.

هذه ليست عبارة من وحي الخيال، وليست جملة مقتبسة من رواية أو مشهد سينمائي، بل هي الجملة التي توصل بها رائد الفضاء سيرجي كريكاليف بعد سقوط دولة الاتحاد السوفياتي، التي أرسلته عبر شركة الفضاء الدولية مير.

قصة رائد الفضاء السوفييتي الذي بقي عالقا في الفضاء بعد انهيار بلاده

ولد كريكاليف في 27 أغسطس 1958 في لينينغراد، الاتحاد السوفياتي (سانت بطرسبرغ، روسيا اليوم) وبدأ كريكاليف مسيرته في عام 1985 في رحلة سويوز تي-13، وعدة رحلات فضائية وعمره سبعة وعشرون عاماً. ومن ثم شارك في عدة رحلات فضائية أخرى بما في ذلك رحلات إلى محطة الفضاء مير والمحطة الفضائية الدولية ناسا.

و على متن هذه المحطة، أي “مير”، سيطرأ التغيير على عالم كريكاليف، وستقلب حياته رأسا على عقب!!

محطة مير الدولية هي محطة فضائية روسية بنيت في الفترة من 1986 إلى 1996. تم تسمية المحطة على اسم “مير” وهو الكلمة الروسية للسلام.

تم إطلاق المحطة للمرة الأولى في عام 1986، وهي تعتبر أول محطة فضائية مأهولة طويلة المدى في التاريخ. تم تصميم المحطة للقيام بالأبحاث العلمية والاستكشافات الفضائية، وقد أسست لأخذ القياسات الفلكية. كان حجم كتلتها أكبر من حجم كتلة أي مركبة فضائية. واعتبرت أكبر الأقمار الصناعية التي صنعها الإنسان. وقد وضعت بالأساس من أجل غزو الفضاء بشكل دائم.

وفي عام 1991 بينما كريكاليف على متن سفينته الفضائية مبتعدا في الجو عن أرض وطنه بمئات الكيلومترات ويدور بما يقارب 8 كيلومتر في الثانية حول كوكب الأرض، كانت الانتخابات والانقلابات في أرضه قد بلغت أقصاها بين الإطاحة بالرئيس الإصلاحي للدولة غورباتشوف و إعادة الشيوعية مما أدى بالتالي الى تفكيك دولته و تأسيس دول مستقل بما في ذلك دولة روسيا .

محطة مير الدولية

كان كريكاليف في هذه الأثناء مبحرا وحده في الفضاء، وكل ما كان يعرفه عن عالمه أنه قد تلاشى دون أن يفهم كيف ولمَ، دون أن يبقى أي وجود للوطن الذي نشأ وترعرع فيه، ولا يعلم في أي أرض قد حط أهله، حتى رضيعه لم يعد يعرف إن كان لازال على قيد الحياة، أم أنه ولى كما ولت حياته ومعتقداته.

ظل كريكاليف يرسل إشارات لا رد لها عبر الموجات الراديوية، ويطلب الاستغاثة دون استجابة؛ وقد اضطر هناك إلى إعادة استخدام المياه المستعملة والعيش على الكميات القليلة جدا من الطعام التي كان يتوفر عليها، ولا يخفى عليكم أن الرائحة التي كانت تملأ المكان كريهة جدا وصوت الآلات والمروحيات كان يصم الآذان، كما أن الميكروبات والفيروسات جعلت من هذه السفينة موطنا لها نظرا للظروف الملائمة لتكاثرها.

بعد مضي ما يقارب 360 يوما أكمل خلالها ما يقارب 5000 دورة حول الأرض، استطاع أخيرا أن يعود إلى كوكبه بمساعدة شركة فضاء روسية ألمانية، بعد أن أنفقت ألمانيا ما يقارب 24 مليون دولار لأجل هذه العودة؛ مشلول الأعضاء، غير قادر على الرؤية، فاقدا للضوابط البيئية التي كان يخضع لها جسده هنا.. يحمل في بدلته شعارا وعلما لا يعرفهما العالم الحالي، وقد احتاج شهورا ليستعيد توازنه وتأقلمه مع بيئة كوكب الأرض.

لم تكن هذه هي الرحلة الأخيرة لكريكاليف، بل إنها جعلت منه أكثر حماسا وتأهبا لرحلات الفضاء، وقد صعد عدة مرات أخرى في مهام بحثية مختلفة، مفتخرا بعمله والأدوار التي يكلف بها، والتي من ضمنها رحلة عبر مكوك تابع لوكالة ناسا الدولية.

كريكالييف أسطورة الفضاء

Exit mobile version