تدوينة متصدرة

الصحافة وجدل التنظيم الذاتي

صادق مجلس الحكومة على مشروع قانون رقم 15.23 بتاريخ 13 أبريل 2023، والمتعلق بإحداث اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، والذي قدمه وزير الشباب والثقافة والتواصل والذي أكد على أن الهدف من إحداث هذه اللجنة، هو تجاوز إشكالات عديدة وحقيقية يعرفها القطاع، وأفاد الناطق الرسمي باسم الحكومة، في ندوة صحفية بعد انعقاد المجلس الحكومي، أن هذه اللجنة ستحل محل “أجهزة المجلس الوطني للصحافة“، وتحدد مدة انتدابها، ابتداءا من تاريخ تعيين أعضائها ما لم يتم انتخاب أعضاء جدد خلال هذه المدة.

وكما هو معلوم فقد أحدث المجلس الوطني للصحافة بمقتضى القانون رقم 90.13 والذي كانت دوافع إحداثه تحقيق التنظيم الذاتي للقطاع، وخلق هيئة مستقلة عن الجهاز الحكومي تعنى بتدبير شؤون الصحافة والنشر، تطبيقا لمقتضيات الفصل 28 من الدستور الذي ينص على أن حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية. وكما تشجع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به.

فالمجلس الوطني للصحافة عبارة عن هيئة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، ويشمل اختصاصها الصحفيين المهنيين، والمؤسسات الصحفية، وتتجلى أهدافها في الحفاظ على المبادئ التي تقوم عليها مهنة الصحافة، والتزام الصحفيين بقواعد وأخلاقيات المهنة والقوانين المنظمة لها. كما وضع هذا المجلس على رأسه مهمة ضمان حق المواطنين في إعلام متعدد وحر وصادق، وتطوير الحكامة الذاتية لقطاع الصحافة.

ويتألف المجلس من 21 عضو (حسب المادة 4 من القانون رقم 90.13) من بينهم: صحفيين مهنيين، ناشرو الصحف، وممثلين عن: المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمجلس الوطني لحقوق الانسان، والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، ممثل عن اتحاد كتاب المغرب، بالإضافة إلى ناشر سابق تعينه نقابة الصحفيين الأكثر تمثيلية، ومندوب تعيينه الحكومة والذي تتحدد مهامه في التنسيق بين المجلس والإدارة ناهيك عن صفته الاستشارية.

وقد نص القانون 90.13 فيما يتعلق بتنظيم المجلس، على أن مدة انتداب الأعضاء تتحدد في مدة 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وأشار نفس القانون في المادة 9 أنه في حالة تعذر على المجلس القيام بمهامه بسبب امتناع أغلبية أعضائه المنتخبين عن حضور اجتماعاته، يقوم رئيس المجلس بإخبار الإدارة من أجل المعاينة وذلك بمقرر إداري معلل ينشر في الجريدة الرسمية، وفور نشر المقرر، تشرف اللجنة المشار لها في المادة 54 .

وقد نصت المادة 54 من القانون 90.13 على إحداث لجنة مؤقتة تضطلع بالقيام بمهام المجلس إلى حين تنصيب المجلس الجديد، وتتولى هذه اللجنة الإعداد التقني واللوجستيكي لعمليات الانتخاب وحصر لوائح الهيئة الناخبة وتلقي الترشيحات والاشراف على سير وتنظيم جميع مراحل انتخاب المجلس.

غير أن وزير الشباب والثقافة والتواصل اعتبر أن هذه المادة “تتحدث عن تأسيس المجلس الوطني للصحافة ولا تحدد الجهة المشرفة على انتخابات المجلس“، بالإضافة “إلى أن القانون المحدث للمجلس الوطني للصحافة لم ينص على مقتضيات يمكن تفعليها في حالة عدم إجراء انتخابات أعضائه في الوقت المحدد” واعتبر أن القانون 90.13 يعرف فراغا قانونيا.

لذا فما كان الحل لتجاوز هذا التعثر الذي من شأنه أن يؤثر على قطاع الصحافة والنشر باعتباره مجالا يستدعي توفر جهاز ذو صلاحيات مهمة كمنح بطاقة الصحافة، والتأديب، والتحكيم…، إلا بإحداث “اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر” كبديل عن “المجلس الوطني للصحافة” من خلال مصادقة المجلس الحكومي على مشروع قانون 15.23.

ويأتي مشروع قانون 15.23، بعد أن قامت الحكومة بتمديد مدة انتداب أعضاء المجلس بكيفية استثنائية والمنصوص عليها، بموجب مرسوم قانون رقم 2.22.770 الصادر في 6 أكتوبر 2022، بسن أحكام خاصة بالمجلس الوطني للصحافة والمصادق عليه بمقتضى القانون رقم 53.22 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.23.18(10 فبراير 2023)، بهدف “تصحيح الوضع الغير القانوني الذي ستؤول إليه قرارات المجلس”. لكن الأمور بقيت على نصابها وفاقمت من حدة إيجاد حلول واقعية تضمن تجديد أعضاء المجلس واستمراره.

اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر: إرباك للهيآت المهنية

كان لمصادقة المجلس الحكومي على هذه اللجنة المؤقتة، وقع كبير على الجسم الصحفي، وأدى إلى خلق تضارب بين مختلف الهيآت الفاعلة في مجال الصحافة والتي انقسمت بين مؤيد ومعارض.

فقد أعربت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، في بلاغ مشترك مع الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، عن استنكارها لإحداث اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر، واعتباره “انحرافا غير مسبوقا في مقاربة الشأن الإعلامي الوطني“، “وإساءة بليغة للمجتمع في حقه في إعلام متعدد ومستقل ونزيه، وتراجع خطير على استقلالية الصحافة“.

كما استغربت الفيدرالية من منح لهذه اللجنة المؤقتة كل صلاحيات المجلس التأديبية والتحكيمية والتأهيلية وصلاحيات إعطاء وسحب البطاقة والتي كانت تقوم بها 5 لجان، بالإضافة إلى اقصاء لجنتين، كما دعت الفيدرالية والجامعة إلى “مواصلة التعبئة للمواجهة القانونية لمشروع هذه اللجنة المؤقتة غير الدستوري”، كما تم التوجيه الدعوة للنواب والمستشارين، “إلى إسقاط هذا المشروع المشؤوم”.

أما نادي الصحافة بالمغرب، فقد وصف مشروع القانون المتعلق بتشكيل لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، ب” قانون غريب“. وأنه خارج السياق العام للمنظومة القانونية الوطنية، وكونه غير مطابق لموضوعه، شكلا وجوهرا، ومسيء للصورة الحقوقية للبلاد. واعتبر كذلك، أن هذه اللجنة خارج سياق الفصل 28 من الدستور، الذي ينص على تشجيع السلطات العمومية للتنظيم الذاتي.

وندد نادي الصحافة المغربي، هذا التدخل غير الدستوري في تسيير وتدبير المجلس الوطني للصحافة، وأدان التدخل الحكومي. كما وجه الدعوة إلى العودة إلى المنظمات المهنية، والاحتكام إلى الدستور والقانون، والتحلي بالجدية في التعاطي مع القضايا المهنية للصحافة والصحفيين، وضرورة دفاع الصحفيين والصحفيات عن حقوقهم.

وعبرت كذلك، منظمة مراسلون بلا حدود، عن موقفها من إحداث اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة، بأنه إجراء ضد حرية الصحافة، وأنه يظهر الرغبة الواضحة للسلطات في تعزيز سيطرتها على الإعلام.

وكما أعربت النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن إحداث هذه اللجنة غير دستوري ويعمل على طمس حرية التعبير. ويتيح للحكومة حق التدخل في التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة والاعلام، والذي من شأنه ضرب عرض الحائط مصلحة المهنيين في اختيار من يمثلهم.

واستنكرت كذلك، الصلاحيات الواسعة التي سيمنحها المشروع الجديد لهذه اللجنة، ودعت إلى التراجع عن هذا المخطط الذي من شأنه أن يضر بمصالح الوطن.

موقف الاحزاب السياسية من إحداث اللجنة المؤقتة

عبرت مختلف الاحزاب السياسية عن موقفها من مصادقة الحكومة على اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر. فقد استنكر حزب العدالة والتنمية، في بلاغ له إحداث اللجنة المؤقتة لقطاع الصحافة والنشر واعتبره خرق سافر لشرطي الديموقراطية والاستقلالية في التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة. وأن من شأنه أن يعمق حجم التراجعات إلى جانب ما يشهده الوضع الاقتصادي والسياسي.

أما بخصوص حزب الحركة الشعبية فقد اعتبر في بلاغ  صادر عن مكتبه السياسي بتاريخ 28 أبريل 2023،  أن  “إحداث اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر” هو “استهتار الحكومة بالسند الدستوري المرسخ لخيار حرية الصحافة والإعلام ، واستقلاليته،  وحقه المشروع في التنظيم الذاتي”. كما اعتبر الحزب أن هذا الاجراء بمثابة “خطوة غير محسوبة العواقب خرقا واضحا للمشروعية القانونية والتنظيمية”. 

الهيآت المهنية المؤيدة لإحداث اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر

رحبت بعض الهيآت المهنية لقطاع الصحافة والنشر بقرار المجلس الحكومي بالمصادقة على إحداث اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر، وأشادوا به.

وقد اعتبرت النقابة الوطنية للصحافة، أن إحداث اللجنة المؤقتة يندرج في سياق مرحلة انتقالية تستهدف إصلاح شامل للقوانين المؤطرة لقطاع الصحافة من أجل تدارك النقائص.

واعتبرت النقابة أن هذا الإحداث استلزمته اختلالات بنيوية بالخصوص فيما يتعلق بمحدودية المهام المنوطة بالمجلس الوطني للصحافة, وفي نفس السياق، أكدت الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، ترحيبها بمصادقة الحكومة على إحداث هذه اللجنة، معتبرة ذلك، سيمكن من تحقيق السير العادي، لقطاع الصحافة.

لذا فأمام كل هذا التأرجح الذي يعرفه قطاع الصحافة نتيجة لتعثر المجلس الوطني للصحافة، والذي شهد منذ إحداثه العديد من الصراعات بين مختلف مكوناته، بالخصوص في مرحلة بداية تشكيله، وذلك بعد انسحاب لائحتان من الانتخابات والتي جرت بنظام للائحة، واستقالة أحد الأعضاء المعينين من طرف فيدرالية الناشرين.كما تم توجيه جملة من الانتقادات حول نمط الاقتراع المعتمد

بالإضافة إلى تأخر الحكومة في المصادقة على النظام الداخلي للمجلس الوطني للصحافة مما أثر بشكل سلبي على عمله، حسب تقرير سنة 2020 الصادر عن المجلس.

وما يقلق الشأن الإعلامي الآن، هو مصير القضايا الجارية أمام المجلس ومآلها، بالإضافة إلى سؤال مدى ضمان نجاح هذه التجربة الجديدة بالخصوص بعدما أبانت تجربة المجلس عن مظاهر قصور عديدة والذي “اعتبر” مرده بالأساس راجع للمقتضيات القانونية المحدثة للمجلس الوطني للصحافة.

فما ضمانات نجاح هذه التجربة الجديدة ومدى تجاوزها للأعطاب الحالية في ظل الانقاسامات التي يشهدها قطاع الصحافة بين مؤيد ومعارض لهذا اللجنة. وهل ستتحقق فعالية التنظيم الذاتي للقطاع بشكل محكم أم أنها ستغذو حلقة من حلقات الإصلاح الجزئي؟ لذا فإصدار أي حكم في ظل الظروف الحالية سيكون سابقا لأوانه، في انتظار ما ستفرزه نقاشات النواب داخل قبة البرلمان.

الصحافة وجدل التنظيم الذاتي

بواسطة
بلاغ الفيدرالية المغربية لناشري الصحف والجامعة الوطنية للصحافة والاعلام والاتصال
المصدر
اجتماع المجلس الحكوميالقانون 90.13 المحدث للمجلس الوطني للصحافة بلاغ حزب العدالة والتنمية بلاغ اجتماع المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية

فاطمة الزهراء حبيدة

باحثة في القانون العام والعلوم السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *