مفهوم الأيديولوجيا والأجهزة الايديولوجيا للدولة عند ألتوسير

لقد شكل فكر لوي ألتوسير إضافة نوعية وتقدما ملحوظا في الفكر الماركسي والفلسفي عامة، بحيث يعتبر من المنظرين الذين حاولوا تجديد وتطوير الفكر الماركسي حسب تطور الواقع المعاش وتجاوز بعض الأخطاء في الفكر الماركسي التقليدي قبل الشروع في الأطروحة التي نظر لها الكاتب حول الايديولوجيا، سنحاول أن نركز على بعض النقاط الأساسية المرتبطة بالموضوع والتي تعتبر من مرتكزات الفكر الماركسي:
* حول إعادة الإنتاج
إن المقصود بإعادة إنتاج شروط الإنتاج أننا إذا وضعنا في الاعتبار أن كل تشكيلة اجتماعية تعود إلى نمط إنتاج سائد فإنما نستطيع القول أن عملية الإنتاج توظف قوى الإنتاج المتوفرة في ظل علاقة إنتاج محددة ويترتب على ذلك أن أي تشكيلة اجتماعية عليها في نفس الوقت الذي تنتج فيه، ولكي تتمكن من الإنتاج إذ تعيد إنتاج قوى الإنتاج – علاقات الإنتاج القائمة.
* حول المجتمع
إن المفهوم الماركسي للمجتمع يتمثل فيما يسميه ماركس البنية التحتية والبنية الفوقية، ويعني بالمصطلح الأول الركيزة الاقتصادية من وحدة القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، أما المصطلح الثاني فيشمل مستويين: 1- قضائي- سياسي أي القانون والدولة ,2- وهو الايديولوجيا وتمثله الايديولوجيات المختلفة كالدينية الأخلاقية: القضائية، السياسية، الأدبية …إلخ.
ومن هنا يتضح لنا أن التراث الماركسي ركز على البنية التحتية بحيث تشكل القاعدة وهي التي تحدد في النهاية البناء كله.
أما بخصوص ألتوسير فقد اعتبر أن هذا التصور الميكانيكي لبنية أي مجتمع كأنه مبني له قاعدة وطوابق بأنه مجازي أي أنه يظل وصفيا ويقدم هنا الأشياء على نحو مختلف. وهذا لا يعني رفضه التام المجاز عليه والتقييم الماركسي للمجتمع، بل مجرد محاولة لتخطيه.
يفترض ألتوسير أنه لا يمكن طرح هذه المشاكل إلا من وجهة نظر إعادة الإنتاج. وهذا ما يحاول عن طريق تحليل مختصر للقانون والدولة والايديولوجيا.
* حول الدولة :
يذهب التعريف التقليدي للدولة بكونها جهازا طبقيا لفرض سيطرة الطبقة البرجوازية على المجتمع. بينما يعتبر ألتوسير أن هذا التعريف ظل وصفيا أي أن النظرية الوصفية هي بداية النظرية الماركسية وأنها لم تكتمل بعد في تحليل الدولة بشكل نظري ومتكامل.
لقد شكل ألتوسير إضافة نوعية في تحليله وتفكيكه للدولة بحيث ذهب إلى التمييز والتفريق بين الأجهزة الايديولوجيا للدولة وبين الجهاز القمعي للدولة، بحيث أن الجهاز القمعي هو جهازا واحدا بينما الأجهزة الايديولوجيا متعددة وبأن الجهاز القمعي هو موحد ويوجد في الميدان العام، بينما الأجهزة الايديولوجيا توجد في الميدان الخاص.
يرتكز الجهاز القمعي على العنف المادي ويستخدم الايديولوجيا بشكل ثانوي، أما الأجهزة الايدولوجيا فتتم بشكل معكوس) العنف الرمزي (
إذن فإن الأجهزة الايديولوجيا للدولة والمدرسة والأسرة تساهم في إعادة إنتاج علاقات الإنتاج عبر ترسيخ الايديولوجيا السائدة في عقول الأطفال وتشكيلهم حسب الواقع الاجتماعي، وبالتالي تلعب هذه الأجهزة دورا حاسما في تكرار إنتاج علاقات الإنتاج لنمط إنتاج يهدد وجوده صراع الطبقات العالمي.

* حول الايديولوجيا
من المعروف بأن مفهوم الايديولوجيا صاغه أول مرة دسيتو دوتراسي والذي يعرفه بأنها علم الأفكار للتعبير عن محاولة التحليل التجريبي للعقل البشري.
أما بخصوص التعريف الماركسي (الايديولوجية الألمانية) هي تركيب خيالي، حلم خالص لفراغ وعبث، مكونة من (بقايا النهار) من الواقع الوحيد الممتلئ والإيجابي أي وهو التاريخ الملموس الواقعي للأفراد الواقعيين الذين يصنعون وجودهم بشكل مادي، وبالتالي فإن الإيديولوجيا لا تاريخ لها.
حيث أن التاريخ الوحيد القائم هو تاريخ الأفراد الملموسين في واقع الحياة، إذن فإن هذه الأطروحة تقول بأن هذه الايديولوجيا لا تاريخ لها وهي إذن سلبية وبأن الايديولوجيا هي حلم خال، وفي هذا الصدد يرى ألتوسير هي أن للإيديولوجيا معنى إيجابي إذا كان صحيحا خاصية الإيديولوجيا تكمن في أن لها بنية ووظيفة بحيث أنهما يكونان واقعا غير تاريخيا، أي بمعنى أن هذه البنية وهذه الوظيفة هما بنفس الشكل الثابت يتواجد فيما نسميه بالتاريخ.
يكون التاريخ هو صراع الطبقات أي تاريخ المجتمعات الطبقية، من هنا يذهب ألتوسير إلى أطروحتين في تفسيره للأيديولوجيا واحدة سلبية والأخرى ايجابية:
1- الأطروحة الأولى: تمثل العلاقات الخيالية القائمة بين الأفراد والظروف الواقعية لوجودهم.
إن المفاهيم عن العالم هي خيالية أي لا تتطابق مع الواقع، ومع ذلك نتقبلها وبالتالي تشكل وهما، فإننا نتقبل أنها كتابة عن الواقع ونعطي لها تفسيرا مثال :(الدين، الخرافات، الأساطير … وبالتالي فإن الايديولوجيا يتمثل الناس الظروف الواقعية لوجودهم بشكل خيالي. فالأيديولوجيا تمثل في تشويهها الذي لابد أن يكون خياليا، لعلاقات الإنتاج القائمة بل قبل كل شيء علاقة الأفراد بعلاقات الإنتاج والعلاقات المشتقة منها.
2-الأطروحة الثانية: أن للأيديولوجيا وجودا ماديا
تتواجد الايديولوجيا دائما داخل جهاز وفي قلب ممارساته العملية.
هذا الوجود للأيديولوجيا هو وجود مادي، وبالطبع فإن الوجود المادي للأيديولوجيا في جدل زمن وفي قلب ممارساته لا يتخذ نفس شكل الوجود المادي باعتبار المادة تتخدد أكثر من معنى او بالأحرى أنها تتواجد في أشكال مختلفة، كلها راسخة اولا وأخيرا في المادة. وبالتالي فإن العلاقة الخيالية لها وجود مادي.
فالأيديولوجيا إذن تتواجد في جهاز ايديولوجي مادي، تفرض ممارسات مادية يحكمها طقس مادي، هذه الممارسات موجودة في الأفعال المادية للذات التي تنصرف بكامل وعيها ووفق معتقداتها.
وفي هذا الصدد يقول ألتوسير عن الذات هو المكون لأية ايديولوجيا بالإضافة إلا أنه لا يمكن تشكيل نمط للذات وإلا إذا كانت للأيديولوجيا وظيفة تجاه الذوات الأخرى.
إذن فبهذا الشكل تتم الأمور لكي تصح الأشياء كما يجب ان تكون عليه من أجل ان يصبح إعادة إنتاج علاقات الإنتاج حتى في عملية الإنتاج وحركة سيرها، مضمونة كل يوم في وعي الأفراد اي في سلوكهم التقني للعمل داخل الإنتاج ” الاستغلال ”، القمع، الإخضاع للأيديولوجيا، الممارسة العملية.. الخ.
وبالتالي فإن هذه الآلية هي شكل من أشكال إعادة إنتاج علاقات الإنتاج المشتقة فيها.

مفهوم الأيديولوجيا والأجهزة الايديولوجيا للدولة عند ألتوسير

Exit mobile version