تدوينة متصدرة

نهج المديونية بين الدول المتقدمة والدول النامية | الجزء 1: مدخل إلى مفهوم المديونية

سلسلة الاقتصاد - الجزء 1 | مدونة زوايا | Eco_BLOGs#

قبل أن نناقش موضوع المديونية العمومية باعتباره واحداً من أكثر المواضيع الاقتصادية الشائكة في ظل اقتصاد عالمي مُترنّح لا يبشّر بالخير، وبوجود أرقام صادمة تؤكد أن الدّيْن العالمي قد تجاوز 180 تريليون دولار السنة الماضية، لابد أولاً من شرح مفهوم المديونية العمومية وتوضيح الفرق بين شقيْها الداخلي والخارجي، وكذا الإجابة عن السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا جميعا: لماذا تقترض الدولة؟

ستكون هذه هي أبرز النقط التي سنتطرق إليها في الجزء الأول، حتى يتسنّى للقارئ تدريجيا مع باقي الأجزاء، فهم معادلة الدَّيْن التي تكون فاعلة في بعض الدول، مقابل خبط عشواء يُورِّث التبعية في دول أخرى.

المفهوم البسيط لدى الفرد -وهو المبلغ الذي قام أحدهم باقتراضه من شخص آخر شرط تسديده في آجال محددة سلفا-، يمكننا به تعريف “المديونية العمومية” أيضاً، على أنها مجموع الالتزامات المالية التي على الدولة والمؤسسات التابعة لها أداؤها في المهلة المتفق عليها مع الطرف الثاني، الذي قد يكون صندوق النقد الدولي (fonds monétaire international – FMI) أو البنك الدولي (banque mondiale) أو بنوك إقليمية كالبنك الأفريقي للتنمية مثلاً. كما يمكن الدولة أن تقترض من دولة مثلها، ونذكر على سبيل المثال القرض الأخير الذي منحته ألمانيا للأردن وقيمته 100 مليون دولار أمريكي. في جميع هذه السيناريوهات، نكون بصدد الحديث عن مديونية خارجية، أما إذا كان المُقرِض فاعلا اقتصاديا محليا (مثلا الخزانة العامة للمملكة تقترض من الشركات أو البنوك المحلية أو من المواطنين)، والقرض يكون على شكل بيع سندات الخزينة (bons de trésor) في هذه الحالة ، يكون الدين العمومي داخليا.

إن التوجه إلى الاستدانة من الخارج يعني الالتزام بإرجاع مبالغ خيالية تقدر قيمتها حسب قيمة أقوى العملات الأجنبية وهي الدولار ، وعملة أجنبية يعني سوق صرف العملات، يعني استحالة تقدير دقيق للمبلغ المؤدى فعليا، وتأثير سلبي على احتياطي العملة، إضافة إلى أن عدم تسديد هذه المستحقات يفتح الباب أمام الإملاءات الخارجية لتضع حيزا لها في الشؤون الداخلية للبلاد؛ فمن لا يستطيع الدفع من محفظته حتما يسدد من جلده.

أما بالنسبة للدين العمومي الداخلي، فلعل الجانب المظلم في هذا النهج يتمثل في كونه قد ينعكس سلبا على السيرورة الاقتصادية. إذ أن إقتراض الدولة من الفاعلين المحليين يؤثر على مستوى نشاطاتهم الاقتصادية، فمثلا الشركة الفلانية بدل أن تستثمر أموالها في مشاريع حقيقية تخلق من خلالها فرص الشغل وتنعش المقاولات، فإنها ستستخدم ادخارها  في شراء السندات الحكومية. ولك أن تتخيل كمَّ الخسارة إذا ما استُعملت هذه القروض في سداد ديون أخرى؛ إنها حلقة من التخبط اللامنتهي. ورغم أن الدين الداخلي يؤثر على مستوى السيولة لهؤلاء الفاعلين، إلا أنه يبقى أفضل من نظيره الخارجي وهذه وجهة نظر أغلب المحللين الاقتصاديين والسياسيين. 

بعد تعريف المديونية العمومية وأشكالها، يأتي الآن الدور للإجابة على السؤال الموالي: متى تستدين الدول؟ 

تلجأ الحكومة للاقتراض بغرض تغطية عجز ميزانيتها، أي عندما تفوق قيمة نفقاتها قيمة مداخيلها، فتفضل الاقتراض بدل فرض ضرائب جديدة (تفاديا لارتفاع مستوى التضخم) أو تقليص نفقاتها أو عقلنتها (سنتطرق لهذه النقطة في الجزء الثالث). 

تُرجح الدولة خيار الاقتراض من أجل الوقاية من مشكلة  وشيكة في الاقتصاد، كتجنب كساد اقتصادي محتمل. 

كما أن أي زيادة في أسعار الغذاء والطاقة في السوق العالمية يدفع الحكومة إلى السلف لتغطية تلك الزيادة، وكذا تمويل مشاريع حكومية عملاقة كحالة مصر مثلا في السنوات الأخيرة . 

تتعدد الأسباب والمصادر، ويبقى الاقتراض في الحالات القصوى هو الحل الأفضل من بين أسوأ الاختيارات، أما في العموم فهو عبء ثقيل، هو كما قال لقمان الحكيم “ذُلّ الليل وهَمّ النهار” – بالنسبة للأفراد -، أما للشعوب فهو رهان لمستقبل أجيال وأجيال، وقبضة مُحكَمَة  للبلاد بأكملها من الخارج.

إذن لماذا تغامر الصين التي تجاوزت ديونها 300% من ناتجها الداخلي، وهي صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم؟ لما تنجح سياسة الدين في دول وتفشل في أخرى؟  هذه المقارنة هي محور الجزء الثاني.

يُتبع

يسعدنا استقبال تفاعلاتكم وردودكم وتعليقاتكم على سلسلة تدوينات الاقتصاد من خلال خانة التعليقات أسفله ؛ أو عبر بريد المدونة contact@zawayablog.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *