لكمات على وجه دكتاتور ترامب المفضل

وسائل التواصل الاجتماعي وكرة القدم نسيمُ حريةٍ وشعاعُ ضوءٍ في سجن أوطاننا، حيث تُعد مطالبة أصحاب السيادة والفخامة بالنهوض بالبلد أو النهوض عن كرسي الحكم جريمةً لا تغفرها العصي والقنابل المسيلة للدموع؛ دموع سبق وأن سالت من القهر والفقر والحرمان، فيعاقَب المتمردون على سجن الذل بالزج بهم في سجون التعذيب؛ فيبقى الملاذ مقطع فيديو على يوتيوب، تغريدة على موقع تويتر أو ربما هتافا في ملعب كرة القدم. 

دُفنت إرادة الشعب المصري في تابوت الرعب والاستبداد الذي بناه الانقلاب العسكري، و تراكمت قراراته الجائرة وتصريحاته الغير مسؤولة صَدَأً على الأقفال، فكانت فيديوهات محمد علي بمثابة لكمات متتالية على تلك الأقفال الصدئة.

فكلنا تابعنا ما نشره رجل الأعمال والممثل المصري محمد علي من سلسلة فيديوهات بعنوان أسرار محمد علي، اتهم فيها الجيش وعلى رأسهم عبد الفتاح السيسي بالفساد وهدر المال العام وبناء قافلة من القصور؛ وهذه التهمة الأخيرة التي اعترف بها عبد الفتاح السيسي في مؤتمر الشباب الأخير الذي انعقد في العاصمة الإدارية الجديدة يوم 14 سبتمبر 2019، مؤكدا استمراره في بناء المزيد القصور من أجل مصر، مصر التي سبق وصَرَّح أنها “فقيرة أوي”، مصر التي لازال مواطنوها يسكنون القبور. 

اعتراف بالجريمة لا يشوبه ندم يشبه اعتراف القاتل المتسلسل بجرائمه العديدة ورغبته في ارتكاب المزيد منها. مراهقة سياسية وشجاعة سيساوية فتحت أبواب السعير على النظام المصري، حيث انطلقت مظاهرة مليونية إلكترونية بدعوة من محمد علي اتخذت من التويتر ميدانا، ومن هاشتاغ #كفاية_بقى_يا_سيسي شعارا. شعارٌ خرج يوم الجمعة 19 سبتمبر 2019 من افتراضية العصفور الأزرق إلى واقعية هتافٍ أهلاوي زملكاوي هز إستاد مباراة السوبر. فاز الأحمر واكتست “بروفايلات” المصريين باللون الأحمر، ونزلت الجموع إلى الشوارع بوجوه حمراء غاضبة، حانقة، مرددين بصوت واحد “ارحل يا سيسي”؛ إنها جمعة الغضب.

في هذه اللحظة كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقل طائرته الرئاسية في رحلة متوجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية سبق وأن ألغاها لكنه تراجع عن قراره في اللحظة الأخيرة، بِنِية حضور مجلس الأمن أو ربما للاستنجاد بدونالد ترامب، بالشخص الوحيد الذي يقدره ويفضله ويعتبره متفوقا في شيء ما حتى لو كانت الدكتاتورية. فهل يعيد ديكتاتور أمريكا المفضل سيناريو الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، أو ربما ذهب فقط بِنِية رحلة شوبينغ لشراء الأثاث للقصور الجديدة؟ لكن المؤكد أنه ترك أبواقه الإعلامية في حيرة وارتجاف. ربما لم يرسل لهم الجيش نوتات التطبيل المسائي فأضاعوا اللحن وخرجوا عن الإيقاع خصوصا عندما رأوا تعامل الشرطة الغير “العنيف جدا” مع المتظاهرين وغياب الجيش عن محيط الميدان. فنحن كشعوب عربية أَلِفنا العنف ويفزعنا غيابه.

تختلف دورة فصول الشعوب عن دورة الفصول الطبيعية؛ فإن كان فصل الربيع يحط رحاله على الأرض سنويا، فإن ربيع الشعوب يأتي بعد سنة أو عقد أو ربما قرن؛ فهو مرهون بقوة مطر الإرادة لكنه يأتي لا محالة. فهل أعلن الشباب المصري يوم الجمعة بداية ربيع حرية جديد في مصر؟ زمجرت حناجر المتظاهرين رعدا وأبرقت عيونهم أملا، نادَوْا من ميدان التحرير شهداءَ الخامس والعشرين من يناير الأحياءِ في الذاكرة مؤكدين لهم أن الشعب المصري عاد من موته وقد كسر تابوت الرعب ونفض عنه ثرى الذل.

 سبق وتسلقنا جدار الحرية الحلم ورأينا وطنا جميلا، رأينا مصر الشباب، مصر الاختلاف، مصر الحرية والأمان… رأيناها من قبل، لكن أفاعي المؤامرات السياسية التفت حول أرجلنا وأعادتنا إلى أرض الواقع الكابوس، وها نحن ذا قد عدنا من جديد أقوى وأكثر تعطشا ورغبة في عيش الحلم المسروق. نجح الألمان في تحطيم جدار برلين الذي ظنوا أنه لا يقهر فكيف لا ننجح في تحطيم جدار الخوف والتعجيز الوهمي الذي شيدته الأنظمة في عقولنا بحجارة الخنوع واليأس ؟

Exit mobile version