تحديات الاقتصاد المغربي..الجزء الأول: مدخل إلى عالم الاقتصاد

عادة ما نقول أن فلانا شخص مقتصد، ولعلنا نعني أنه شخص يعرف كيف يتدبر أموره المالية ويغطي جميع احتياجاته بما هو متوفر لديه من موارد مادية؛ بكل بساطة، هذا هو الاقتصاد!! 

والعلوم الاقتصادية هي علوم تُدَرِّس علميا تلك الكيفية التي يتم من خلالها التوزيع العقلاني للموارد المتاحة (وهي غالبا ما تكون نادرة) من أجل تحقيق وتلبية رغباتٍ غير محدودة.

مصطلح الاقتصاد ظهر مع الإغريق، لكن الفكر الاقتصادي وجد ضالته مع الماركسية في نهاية القرن الثامن عشر، حيث برز آدم سميث – الأب الروحي لعالم الاقتصاد – ودافيد ريكارد كأشهر فلاسفة الاقتصاد السياسي في التاريخ المعاصر.

وينقسم علم الاقتصاد إلى مسلكين: فرع النظريات الميكرو اقتصادية (micro-économie) التي تهتم بدراسة تصرفات الأفراد (مستهلك ومنتج) وعلاقاتهم التبادلية في السوق، في حين تهتم النظريات الماكرو اقتصادية (macro-économie) بدراسة الأنظمة والظواهر على المستوى العام (مثل البطالة والتضخم…إلخ).

وإذا كان الاقتصاد هو مجموعة من الأنشطة والعمليات الإنتاجية والاستهلاكية والتبادلية للسلع والخدمات، فهذا يعني أن الاقتصاد هو فعل فاعل؛ والفاعل الاقتصادي إما أُسَر (ménages) نشاطها هو الاستهلاك، أو مقاولات غير مالية (entreprises non financières) تنتج السلع والخدمات المادية، والمقصود هنا أنها سلع معروضة للبيع والغرض هو الربح؛ وإما مؤسسات مالية (institutions financières) كالبنوك والتأمينات التي توفر خدمات مادية ذات طابع مالي. وهنالك أيضا الإدارات العمومية التي تقدم خدمات غيرَ مُسوَّقة كالتطبيب والتعليم والأمن. وينضاف لهؤلاء الفاعلين المحليين القطاع الخارجي (reste du monde).

وتتولي المحاسبة الوطنية حساب حجم التدفقات لمختلف الفاعلين، ونتحدث مثلا عن: الاستهلاك النهائي للأسر، الاستهلاك الوسيطي (كل ما يتم استعماله من أجل إنتاج سلع أو خدمات أخرى، مثلا كالثوب والحديد والخشب…)، أرباح الشركات الخاصة ومؤسسات التأمين…. إلخ.

ويتم الاعتماد على هذه المجاميع في حساب ما يُعرف بالناتج القومي أو الناتج الداخلي الخام (produit intérieur brut) الذي يُعَد أهم مؤشر اقتصادي يعكس حجم إنتاجية بلد ما.

فما هو الناتج الداخلي الخام؟

سنأخذ مثالا بسيطا، عندنا مثلا ثوب قماش قيمته 100 درهم، قمنا بخياطته فحصلنا على سروال قيمته 250 درهما، إذن استطعنا خلق قيمة مضافة قدِّرت ب 150درهما، وهو الفرق بين ما أنتجناه و ما استهلاكناه في إنتاجنا.

إذن مجموع القيم المضافة التي حققها مختلف الفاعلين الاقتصاديين داخل ربوع الوطن – أيّاً كانت جنسيتهم- هو ما يشكل الناتج الداخلي الخام، و معيارُ احتساب القيمة المضافة هو الإقامة، لذلك سمي ب”الداخلي”. ويوجد مؤشر آخر، الناتج الوطني.

إذن كلما كانت عملياتنا الاقتصادية من إنتاج واستهلاك واستثمار ذات مؤشرات جيدة، كلما كان ناتِجُنا الداخلي جيدا، وهو مجموعٌ يتم حسابه كل سنة، وتحسب مع أيضا نسبة نموه؛ وهو مستوى تغير القيمة المضافة من سنة إلى أخرى. فمثلا إذا كان ناتج بلد ما هو 500 مليار دولار سنة 2017 والسنة الموالية أصبت 520 مليار دولار، فإن نسبة نموه هي 4%.

وعليك أن تعلم أيها القارئ العزيز أن نسبة نمو الاقتصاد تتحكم في أغلب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، من بينها البطالة. فمثلا في جنوب أفريقيا وأستراليا وكندا، أيُّ زيادة بنسبة 1% من قيمة الناتج القومي تصاحبها زيادة بنسبة 0.6%  في سوق الشغل.

وترتبط نسبة النمو الاقتصادي بمراحل الدورة الاقتصادية الأربع:

-مرحلة الانتعاش (reprise) :مرحلة تأتي بعد الركود، تتميز باستقرار الأسعار أو تراجع طفيف يرافقه تزايد بطيء على مستوى الإنتاجية.

-مرحلة الرواج (expansion): حيث ترتفع الأسعار، ويكون معدل الإنتاج مرتفعا وكذا مستويات التوظيف هي الأخرى مرتفعة.

-مرحلة الركود (recession): مرحلة تشهد هبوطا  للأسعار وتراجعا على مستوى الإنتاج، يقل معدل التشغيل ويرتفع المخزون السلعي. 

-مرحلة الكساد (Crise) :وهي أخطر مرحلة، حيث تنخفض الأسعار انخفاضا صاروخيا وترتفع معدلات البطالة وتدخل التجارة حالة من الكساد.

وقد تستغرق كل مرحلة ما بين تسع وعشر سنوات كمعدل تقديري. 

أيها القارى العزيز، دعنا نتوقف اليوم عند هذا القدر من المعلومات، فبينما تحاول فهمها واستيعاب المصطلحات المذكورة بها والتي ستُلاقيها مرارا وتكرارا خلال الأسابيع القادمة، سأعتكف على إعداد التدوينة الثانية حول الاقتصاد المغربي، فبلا أدنى شك ستكون قد تساءلت وأنت تقرأ عن خصوصيات اقتصادنا؟ و ماذا استفدنا من تواجد شركات كبرى أمثال بيجو وَرُونُو؟ وماذا عن معدلات الاستهلاك الأسري…؟! وغيرها العديد من الأسئلة التي سأطلب منك تدوينها حتى تصلك الإجابات خلال الأسابيع القادمة …

يُتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *