تركيبة الاقتصاد المغربي

يعتبر الاقتصاد المغربي اقتصادا ناميا ذو توجه ليبرالي قائم على مفهوم السوق الحر، رغم أن السلطات العمومية لا زالت تلعب دورا مهما في توجيه الاستثمار والسياسات الاقتصادية العامة للبلاد. 

بلُغَة الأرقام، يسجل اقتصاد المغرب نموا بمعدل %4 خلال العشر سنوات الأخيرة، وقد حققنا ناتجا داخليا السنة الماضية قدر ب 120 مليار درهم، وهو بذلك خامس أقوى قوة اقتصادية إفريقية بعد جنوب أفريقيا، نيجيريا، مصر والجزائر. فما هي إذن مرتكزات الاقتصاد المغربي؟ وكيف لعبت الشركات الأجنبية دورا في إنعاش الاقتصاد الوطني؟ ولم تخَوَّف الفاعلون السياسيون من تداعيات حملة المقاطعة سنة 2017؟

كانت ولازلت الفلاحة واحدة من أهم القطاعات الاقتصادية المهمة في المغرب، حيث يشتغل فيها ما يقارب %40 من الفئة النشيطة، وتمثل الصادرات الفلاحية ما بين %15 و%21 من الصادرات الإجمالية.

وتتجلى قوة المغرب فلاحيا في احتلاله مراتب متقدمة في الإنتاج؛ فعلى سبيل المثال،  احتل المغرب سنة 2012 المرتبة السادسة والرابعة والثالثة عالميا وعلى التوالي في إنتاج كل من الحوامض والطماطم وزيت المائدة.

وبفضل جودة وحجم إنتاجه الفلاحي، يحقق المغرب اكتفاءً ذاتيا بنسبة %100 في كل من اللحوم والفواكه والخضر، %82 في الحليب، %50 في السكر و %60 في القمح.

على مستوى الطاقة والمعادن، فقد اقترن اسم المغرب عالميا بالفوسفاط باعتباره ثالث منتج عالمي له (23 مليون طن سنة 2018) والأول من حيث التصدير، علاوة على أنه يمتلك ما يقارب ثلثي احتياطي العالم من هذه الثروة الطبيعية الباطنية ويعتمد عليها كأول مصدر للعملة الصعبة في المغرب. 

وإلى جانب الفوسفاط، المغرب هو المنتج الخامس عشر والعاشر عالميا لكل من الكِربيد Carbure والنحاس على التوالي.

صناعيا، اتسم هذا القطاع في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر بارتكازه على صناعة النسيج والتغذية الفلاحية ومساهمة ضئيلة نوعا ما في خلق فرص الشغل بنسبة %12، مع مساهمة لابأس بها في الناتج المحلي لم تتجاوز حينها %16، ورغم ذلك فقد كانت الصادرات الصناعية تعتلي عرش صادرات المملكة. 

غير أن الاستراتيجية الصناعية التي انطلقت سنة 2006 والتي تم دعمها ببرنامج استعجالي (2020_2014) قد ساهمت بشكل كبير في إعطاء هذا القطاع طابعا تنوعيا تميز ببروز ونجاح فروع صناعية أخرى خلاقة لقيمة مضافة مهمة كصناعة السيارات والطيران والإلكترونيات. 

ويجدر الإشارة إلى أن مصنع رونو طنجة أنتج سنة 2017 ما مجموعه 283667 سيارة، يُضاف إليها إنتاج مصنع رونو الدار البيضاء ل 49522 سيارة؛ هذه السيارات تم تصدير أغلبها إلى 74 دولة أهمها: إسبانيا، تركيا، مصر، إيطاليا وفرنسا. 

إذن وجود شركة مثل بيجو و رونو يساهم في الرفع من قيمة الناتج المحلي، الرفع من قيمة الصادرات المغربية وطبعا المساهمة في حل إشكالية التشغيل. 

وتجدر الإشارة إلى أن صناعتي السيارات والأغذية الفلاحية تشغلان حاليا %25 من الطبقة النشيطة. 

وإلى جانب هاته القطاعات تبرز صناعة الأدوية كصناعة حيوية على المستوى الوطني والقاري؛ المغرب هو الثالث إفريقيا من حيث الإنتاج الذي يغطي به الطلب الداخلي بنسبة %80 ويبيع إلى باقي العالم ما يفوق 9 مليار درهم سنويا.

لقد استطاع القطاع الصناعي أن يصبح ثاني أهم قطاع في المغرب، إذ يساهم بنسبة 28,5% في الناتج المحلي.

أما فيما يخص قطاع الخدمات والذي يتمثل في السياحة والفندقة والأنشطة الترفيهية والبنوك والخدمات المالية، فمازال هو القطاع الرائد وطنيا حيث يشكل %54,9 من الاقتصاد الوطني. وتعتبر الدار البيضاء أكبر مركز مالي وصناعي على المستوى المغاربي، وبورصة الدار البيضاء هي الثانية إفريقيا وعربيا بعد بورصة السعودية.

سياحيا، تجاوزنا عتبة المليون سائح سنويا بصعوبة رغم أن مدننا السياحية الكبرى تعتلي قائمة المدن الأكثر شهرة على هذا المستوى كمُراكش الساحرة وشفشاون اللؤلؤة الزرقاء. 

أما عن الصادرات، فقد ساهمت سنة 2017 بنسبة %9,3 في نمو الاقتصاد الوطني، لتكون هذه السنة بالضبط بمثابة إعلان عن بداية عهد جديد لصناعة الطيران في المغرب، والتي ساهمت لوحدها ب 18,4%، ولعله رقم صارخ لصناعات تبرهن يوما بعد يوم عن علو كعبها، إلى جانب صناعة السيارات التي ساهمت هي الأخرى بنسبة كبيرة (%11,1) في هذا النمو، ليشكلا معا أول مصدر للعملة الصعبة تلك السنة (78.5مليار درهم) متجاوزَيْن صادرات الفوسفاط. 

وبما أن الإنتاج يعني الحاجة إلى الاستهلاك، فإن هذا الأخير يشكل دعامة أساسية للاقتصاد الوطني، حيث يلعب دورا كبير في إنعاشه. فعلي سبيل المثال، ساهم مجموع نفقات الاستهلاك النهائي للأسر السنة الماضية ب   2.2 نقطة في معدل نمو الطلب الداخلي وبالتالي نمو معدل الاقتصاد الوطني. 

إذن، فالاقتصاد المغربي اقتصاد متنوع يرتكز على الخدمات، خاصة منها القطاع المالي والبنكي، في حين تلعب الصناعة والفلاحة والمعادن دورا مهما في إنعاش صادراته، ويعتمد بشكل كبير على المستثمر الأجنبي وعلى استهلاك ساكنيه ومواطنيه، محافظا على مستوى نمو إيجابي في أسوإ حالاته. 

كانت هذه قراءة شاملة لأهم مرتكزات الاقتصاد الوطني الذي له ما له وعليه ما عليه، هذا الأخير الذي  سيكون محور التدوينة القادمة.

يُتبَع…

Exit mobile version