تدوينة متصدرة

الاقتصاد المغربي .. سكيزوفرينيا الأرقام والواقع!

تحديات الاقتصاد المغربي | الجزء الثالث

علّق الكثيرون سلباً على التدوينة السابقة التي تناولنا فيها تركيبة الاقتصاد المغربي؛ حيث شكّك البعض بصحّة تلك الأرقام التي تضع المغرب في قائمة أقوى الاقتصادات الإفريقية، بينما تعجّب البعض الآخر من كيف للمغرب أن يكون بهذا الوضع الحالي مع كل هذه الثروات والإنتاجية والمقومات! هذه السلبية الرائجة ليست إلّا نتاج غياب آثار إيجابية لهذا الأداء الاقتصادي على المواطنين ومَعيشِهم.

في هذه التدوينة، سنحاول الإجابة عن تلك الأسئلة التي تؤرقنا جميعا من قبيل :

  • كيف لاقتصاد يحقق اكتفاءً فلاحياَ جيدا وصادرات فلاحية مهمة وأخرى صناعية في تطور ملموس، وكبرى مدنه ذات صيت سياحي عالمي، و مع ذلك متوسط معدلات البطالة يجاور %10؟ (تتحدث بعض الإحصائيات على أن شبح البطالة ناهز %25 هذه السنة، خاصة فئة الشباب). 
  • ما الذي يجعل المغرب صاحب المؤهلات الفلاحية والسياحية والصناعية لا يحقق أيّ تنمية اجتماعية تشمل مختلف الفئات؟
  • هل المغرب، المصدر الأول للفوسفاط عالميا والرائد إفريقيا في صناعة السيارات، هو ذاته صاحب عجزٍ تجاريٍّ يصل ل %5.4 من ناتجه المحلي؟
  • كيف لبلد عجزه الميزانياتي يتجاوز %3 من ناتجه الداخلي ودينه العام 970 مليار درهم ومع ذلك نسبة الأمية لازلت قابعة عند 30% حسب أرقام رسمية حديثة؟

مـا الذي يجعل الأرقام تغرّد في الأفق ؛ بينما الواقع يدعو إلى الشك ؟

تذبذبُ وعدم استقرار مستوى النمو الاقتصادي :

رغم ما حققه مخطط المغرب الأخضر من تطوير وعصرنة وتنويع للفلاحة المغربية، إلا أن هذا لا يمنع ان ناتجنا المحلي لا زال متذبذبا نتاجَ نمو وانخفاض أدائنا الفلاحي، الذي هو الآخر رهين التساقطات المطرية.

فمثلا، خلال الموسم الفلاحي 2017-2018 سجّلت البلاد نتائج استثنائية، وذلك بفضل تساقطات مطرية مهمة ومنتظمة، وهذا ما جعل مردودها الفلاحي يتحسن ويبلغ 125 مليار درهم، وبالتالي انعكس الأمر إيجاباً على نمو اقتصادنا الذي سجل نسبتي %4,1 و %3,1  خلال سنتي 2017 و 2018 على التوالي.

وفي ظل محدودية الجهود المبذولة لتكييف الفلاحة المغربية مع التغيرات المناخية، يزداد تأثير هذه الأخيرة على قطاعنا الفلاحي بصفة خاصة وعلى اقتصادنا بصفة عامة، ويُرتقَب أن تترجِم مؤشرات سنة 2019 هذا حرفيا. 

لا زالت الفلاحة قطاعا مهما ومحرّكاً للاقتصاد المغربي وركيزة أساسية لتنمية العالم القروي.

ضعف نصيب التكنولوجيا العالية من إجمالي صادرات المغرب :

حسب مديرية الدراسات والتوقعات المالية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، فإن المغرب قد حقق طفرة على مستوى صادراته الصناعية مابين سنتي 2000 و 2015؛ حيث تراجعت نسبة الصناعات التكنولوجية الضعيفة من %37 إلى %29,5، فيما ارتفعت نسبة الصناعات التكنولوجية المتوسطة والعالية معا من % 18,2 إلى %46,2  (بفضل قوة أداء صادرات قطاعي صناعات السيارات والطيران ومشتقات الفوسفاط). إلا أن دراسة صادرات الصناعة التكنولوجية العالية لوحدها يضعنا أمام انخفاض لنسبتها من%11.8 إلى %6.6.

و بالاعتماد على هذه الأرقام وعلى التقسيم المعتمد من طرف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) ،فإن المملكة المغربية ضمن الصنف الثالث ذو الصناعات التكنولوجية المتوسطة والضعيفة.و لعل ما يفسر ضعف نصيب التكنولوجيا العالية هو ضعف نسبة الإنفاق والاستثمار في البحث والتطور العلمي التي لا تتجاوز %0.8 من قيمة ناتجنا الداخلي.

تقرؤون أيضا على مدونة زوايـا

تفشّي الفساد واقتصاد الريع :

عندما يحقق بلد ما مستويات عالية من الديمقراطية- تدريجيا طبعا – تصبح السلطة السياسية تحت مجهر المسائلة وتبرير سياساتها الاقتصادية  ومدى تأثير هذه الأخيرة على المواطنين، و هذا ما يحد من تفشي اقتصاد الريع و الفساد. 

ولعل إحدى أبرز معيقات التقدم في المغرب، هو هيمنة الريع والفساد على اقتصادنا (مقالع الرمال، مأذونيات النقل، الموظفون الأشباح….). وقد أشار رئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني السنة الماضية أن الرشوة وحدها تكلف المغرب %2 من نمو اقتصاده. 

اقتصاد قائم على الطلب الداخلي :

يحقق الاستهلاك النهائي للأسر والإنفاق الحكومي معدلات نسب أعلى بكثير من معدلات الاستثمار، وبالتالي فإن تراجع القدرة الشرائية للمغاربة (ارتفاع البطالة، محدودية الدخل لأغلب الفئات وارتفاع الأسعار) سيؤثر على الطلب الداخلي الذي يعتبر المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي . وقد أشار عبد اللطيف الجواهري، محافظ البنك المركزي المغربي، أنه في فترة ما بين 2008 و 2016 ساهم الطلب الداخلي بنسبة %58 من الناتج المحلي وقد ساهم بشكل كبير في تجاوز الأزمة العالمية الأخيرة. 

محدودية الرأسمال البشري :

أكد تقرير البنك الدولي سنة 2018 بخصوص مؤشر الرأسمال البشري أن المغرب سيخسر نصف إمكانياته الاقتصادية بسبب عدم فعالية وضعف الاستثمار في مواطنيه، خاصة الأطفال.  مِن أصل 157 دولة، جاء المغرب في الرتبة 98 ؛ وبذلك فأداؤه لم يتجاوز 0,5 من أصل 1.

هذا الخلل على مستوى تثمين الموارد البشرية يحد من مساهمة هذه الأخيرة في تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام .. فالرأسمال البشري محرك أساسي لأي نهضة اقتصادية أو اجتماعية، كما يقول أحد المفكرين:   il n ‘est de richesse que d’hommes  . 

قطاع غير مهيْكَل مهيْمِن ونظام ضريبي غير عادل :

أكدت وزارة الصناعة والتجارة أن القطاع الغير المهيكل يمثل %11,5 من الناتج الوطني ويوفر تقريبا مليوني ونصف مليون فرصة شغل. ولكن بما أنه قطاع غير مهيكل فإنه يُخسِر الدولة موارد جبائية مهمة وينعكس سلبا على جودة حياة المواطنين. 

أما فيما يخص النظام الجبائي المغربي، فهذا الأخير لا يمتثل لمبدأ العدالة الجبائية ويشكل ضغطا على فئة دون أخرى. فحسب المديرية العامة للضرائب، فإن %50 من المداخيل الجبائية الخاصة بالضرائب الثلاثة (الضريبة على الدخل، الضريبة على الشركة والضريبة على القيمة المضافة) تأتي من 140 شركة فقط. علاوة على أن معدل مساهمة الأُجَراء أكبر بخمس مرات من مساهمة المهن الحرة. 

غياب توزيع عادل للثروة :

غياب الشفافية والمسائلة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وكذا تمركز السلطة والقرار السياسي والاقتصادي في يد فئة دون أخرى يساهم بشكل كبير في توسيع الفوارق الاجتماعية.

فحسب تقرير المنظمة العالمية غير الحكومية ” أوكسفام” لسنة 2018 ، فإن المجتمع المغربي من أكثر المجتمعات فرْقا على مستوى دول شمال إفريقيا؛ حيث أن ثلاث أغنى مليارديرات مغاربة يمتلكون 4.5 مليار دولار أي ما يعادل 44 مليار درهم مغربي!  تمركز الثروة عند فئة دون أخرى أو جهة دون أخرى، ينعكس سلبا على السيرورة الاقتصادية وقد يؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه.

كانت هذه أبرز مكامن ضُعف الاقتصاد المغربي وأهم الأسباب التي توضح كيف للمغرب أن يحقق نموا اقتصاديا إيجابيا دون أية تنمية حقيقية.

سيرورة التنمية تحتاج نموا اقتصاديا مهما ومنتظما وديمقراطية سياسية لتحسين الأداء الحكومي.. تحتاج أيضا توزيعا عادلا لمخرجات الإنتاج ورغبة حقيقية لتحقيق تنمية شاملة لا تستثني أي مواطن ولا مواطنة من كل الشرائح الاجتماعية.

وفي ظل غياب إحدى هذه العوامل، نخسر أي نمو قد نطمح إليه، وهو بالضبط ما ينطبق على وضعية المغرب الحالية؛ اقتصاد هش يعتمد على أنشطة ريعية ومواد أولية وغياب شبه تام لاقتصاد المعرفة. 

إذن، هل سيُجيب النموذج التنموي الجديد على هذه الاختلالات؛ خاصة وأننا نواجه إكراهات خارجية تتجلى في ضعف نمو شركائنا الاقتصاديين (منطقة اليورو) وارتفاع أسعار النفط؟ 

.. يُـتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *