رغبة قوية

أن يعيد الزمن أحداثه، أن تعاد الاختيارات، أن يعود  احتمال الإمكانيات الكثيرة، وما يجعل لك هذه الرغبة التي قد تعتريك هو أنك لم تستقوِي مناعتك من التعلق! نعم فالتعلق هو المشكلة، والفراغ أصلها؛ أن تنتظر رسالة وكأنها الأخيرة أو لقاءً كأنه الأول، أو خبرا وكأنه الموت…

شعور الهول هذا كأن كل شيء ضخم يجعل أنفاسك تنقطع بشكل تلقائي، كأن كل شيء سيبتدئ  لتوه وكأن كل شيء سينتهي للعدم. إنه شعور أشبه بدُوار المتاهة، أقرب إلى الاختناق… ففي الآن نفسه الذي ترغب فيه بقوة، تود لو تتخلص منه، لأنك لا تعلم هل سيحملك إلى الأفق أو سيطرحك أرضا! فتبحث بعدها عن ما ينقصك، تود أن تصرخ عاليا.. نعم أنا أريد ذلك بشدة!! إنه إحساس  نفحة من الجنة، كما أنه يشبه ولعة دائمة من النار.

تكتب فتكتب وتكتب دون أن تعي ما تريد إيصاله، كأنك كنت تحتاج له بشدة من أجل علاج تلك المناعة التي أصابها السرطان، فتكون الكتابة نوعا من العلاج الكيميائي، إنه علاج نعم، لكنه علاج ضار بآثار جانبية وخيمة.

الأمر روحي لا علاقة له بتفاعلات كيميائية أوانفعالات جسدية، من قال أن المحبة، السعادة، الضجر، القلق، والاكتئاب مجرد هرمونات؟! إنه ضرر روحي كبير يجعلك تلعن كل ما سبق أو مضى، فتعلن قائلا فليذهب الجميع إلى العدم. فكيف تنفلت إذا؟ وهل لك رغبة حقيقية في الانفلات؟ ولِمَ الرغبة في التمرد؟ وكيف السبيل إلى الانعتاق أو الاستمرار فيما مضى أو سيأتي؟ أتعلم ما المحزن في الأمر؟! أن طلة منه كفيلة أن توقف الزمن، وللحظة تدعو إلهك بكل ما تملك… فليأت ولو قليلا…

فتنهار قواك ولا تقوى على شيء… وتتساءل هل الجميع يهواه هكذا؟ وتعيد سؤال الدعاء متسائلا هل الأمر يستحق كل هذا وهل تمتلك من الشجاعة ما يكفي لإعلان القتال والمحاسبة؟! لتكتشف أن الأمر يتعلق بمدى قدرتك على الإجابة على السؤال التالي: إلى أي مدى تستطيع ترويض نفسك؟ وتكتشف من جديد أن مجرد السؤال يولد إحساس الضعف والخضوع، ومن اعتاد القوةَ يسْقَمُ أمام هذا الجلل. إنه إحساس يُبكي كل شيء؛ كيف تصبح ضعيفا هكذا فلا تكاد تعرف حتى نفسك، مجرد وجوده دون أن يتحدث كفيل بأن يجعل كل شيء يهدأ، حضوره كفيل باستحضار هدوء ما بعد العاصفة وليس ما قبلها. 

ماﺫا لو غيرنا الزمكان والأشخاص؟ أكاد أجزم أن الأمر لم يكن ليكون بهذه القوة. ويأتي الاندفاع مرة أخرى لتختل قواك وقد ترغبُ إخبارَ نفسكَ أنك الوحيد الذي يعيش أمرا ضخما مؤلما وأنه يجب عليك الانفلات والهرب حالا قبل الموت على ناصية الحلم… ولكن أليس الموت على ناصية الحلم هو كذلك نهاية مرضية؟! 

مغَص مزعج مع سراب دائم يعتليهِما دوار مرهق وآلام مفاصل متعبة… هو لن يتواجد طوال اليوم، سيحبك بطريقته الخاصة التي قد تروق لك كثيرا والتي قد تجعل لك رغبة في طرح كل التساؤلات مجددا… فشل وصعوبة في التحرك، رغبة في إغماض الجفن فتهمس بكل إيمان يا ليتني كنت نسيا منسيا قبل هذا. فتعمل مخيلتك أكثر وتبتسم مع كل إيقاع، فيختلط عليك الواقع واليقظة بأحلام هذه الأخيرة… أنت لم تعد تقوى حتى على العيش أو إبقاء وتيرة نفسك على حالها، تريد رؤيته وفقط، قد تشيخ هناك وأنت تنظر لنفس الزاوية ونفس الركن تنتظره أن يأتي أو تنظر له من بعيد لا تطلُبُ شيئا غير أن يمر لينعش قلبك، وتتساءل عندها ما الذي تغير في فلسفتك للحياة؟ 

مغصك أكبر ويطلب منك أن تجد له حلا، وما الحل إلا رقصة ثنائية صاخبة-هادئة، أو صرخة روحية عالية من قلب عاشق تجعل الزمان يتوقف ولو للحظات. خوفك ذاك تغذيه هذه الرغبة القوية وتبدده أحاسيس السيطرة والقوة. وبما أنه سبق وأقررنا أن القوة الآن مفقودة، فالرغبة ستجد طريقها السهل إلى إنعاش خوفك، وسيكبر.. سيكبر الخوف يا ولدي ويجد سبيله لإيصالك لناصية الحلم تلك فتكون النهاية، النهاية المرضية؟!

وتأتي الرقصة الثنائية الصاخبة-الهادئة ويأتي الفرج القريب البعيد الذي قد يحملك ثانية إلى ما لا نهاية لحظية، وتخبر نفسك أن كل شيء قد حُل مؤقتا، فتموت لنظرة وتحييك لمسة خفيفة، وتعيدك همسة للموت فيحييك كل حضوره مرة أخرى …

الآن تتساءل بوجوده مجددا، هل الأمر يستحق كل ذاك العناء والحب والصبر؟! نعم إنه يستحق، ولكن دون ملل أو إحباط… نعم دون ذكر للماضي أو أي إسقاط زمني مسبق. 

Exit mobile version