العمل الجمعوي.. عطـاءٌ أمْ أخذ ؟

العمل الجمعوي أو العمل التطوعي، كما يدل على ذلك اسمه، عمل يهدف إلى مساعدة الآخر طواعية دون ربح مادي وبدوافع نبيلة تجعلك تتبع حدسك لتحقق أسمى القيم الإنسانية، ألاَ وهي الإيثار والعطاء وحب الخير.  وكما قال عليه الصلاة والسلام : {لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه}

 هذا العمل يجعل روحك غاصَّةً بالطمأنينة والراحة النفسية رغم التعب والجهد الجسدي، لأنك تصبو إلى  التنفيس نوعا ما عن شخص آخر، مساهما بشكل من الأشكال في تحقيق المساواة ولو نسبيا، وإدخال الفرح والبهجة على قلوب عانَت في صمت جراء أمراض أو أسقام أو فقر أو ظروف قاسية أو جميعها معا، وحياة اختارت أن تضعهم تحت وطأة الاختبار. 

هذا العمل يُعَد من أحب الأعمال إلى الله باعتباره نوعا من أنواع الصدقة ودافعا للتكافل والتآزر الاجتماعي، المَبدَءان اللذان تُؤَسَّس على إثرهما المجتمعات. 

فهل فعلا  العمل الجمعوي يرتكز على كل هذا النقاء وهذه المثالية ويخلو من كل شائبة؟ أم خلف هذا الرداء المنمق والمبهرج تستتر مصالح ومآرب ورغبات دفينة؟ 

كلنا يعلم أن أكثر ما يمكنه أن يجعلنا سعداء هو العطاء، ماديا كان أو معنويا؛ فبمجرد أن ترى ابتسامة أحدهم من خلال ما قدمته له تشعر وكأنك ملكت الدنيا. إحساس يصعب وصفه، حينها تشعر أن الغاية من وجودك على هذه البسيطة قد تحققت أو أنها على قيد التحقق. 

فالله لم يخلقنا عبثا ولا لكي يغدو كل واحد منا في حال سبيله غير آبه للأخر، بل خلقنا وجعلنا خلفاءه لكي نعمر الأرض؛ وما العمارة إلا بالمساعدة والتعاون والتضامن والتكافل. وهو الذي أوصانا بأن نكون كالجسد الواحد في اتحاده وتعاضده، وهذا كله لا يمكنه أن يتحقق إلا إذا ساعد بعضنا البعض. 

فهناك العديد من المؤسسات والجمعيات والمراكز وما إلى ذلك، التي تصبو كلها إلى الهدف نفسه؛ أي رسمِ البسمة على شفاه من ضاقت بهم السبل واستضعفتهم الحياة. فنجد أن عدد الجمعيات بالمغرب قد بلغ – لحدود كتابة هذه الأسطر- ما يقارب 44771 جمعية، أي بمعدل 145 جمعية لكل مئة ألف نسمة.

فحقيقة  أتساءل هل هذا الكم الهائل من الجمعيات، ناهيك عن الكم الهائل من المتطوعين الطامحين إلى مستقبل مشرق، يعملون كلهم وفق المبادئ الإنسانية وتحت مظلة العطاء؟ أم أن هذا فقط هو الوجه الظاهر من الصورة؟ وأن  خلف كل تلك التضحيات والأنشطة والقوافل والمساعدات تختفي مصالح أكبر ودوافع تفوق دوافع الرغبة في فعل الخير؟

قد تتفاجأُ أحيانا عندما تكتشف أن كل ما كنت تنظر إليه بعين الإعجاب كان مجرد زيف والحقيقة أن خلف ذلك كله دوافع أعمقُ بعيدةٌ كل البعد عن الرغبة في مد يد العون. فمثلا هنالك من قمةُ هاجسِه الشهرة أو تقلد منصب سياسي أو بلوغ أي مبتغى في قرارة نفسه، قد تعلمه أو قد لا تعلمه. لكن كل هذه المصالح الشخصية تغلَّف في قالب من الإنسانية والتضحية والرغبة في جمع الحسنات كما يزعمون، فيجعلون ذلك الملاذ الذي قد يكون متنفسا وملجأً ومنبعا للطمأنينة كمعركة لا تهدأ.. 

لا أنكر أن هناك من المبادرين ذوي النيات الحسنة من كل هَمِّهم المساعدةُ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بل أعرف أشخاصا يحملون من العطاء وحب الخير في قلوبهم ما يمكنه أن يسع العالم بأكمله. لكن وللأسف يبقون قلة قليلة لأننا لازلنا نعيش في مجتمعات تستنشق الأنانية بدل الأوكسجين؛ مجتمعاتٌ ترى مصالحها أولا وتعتبر كل ما هو متاح لها فرصة ثمينة لبلوغ المجد واعتلاء المناصب، مجتمعات تناست ماهيتها وتنَكَّرَت لدِينِها الذي هو أصل المبادئ والأخلاق فأضحت مستعبدة بكل ما هو مادي. ولكن  بالرغم من هذا كله، يبقى الأمل قائما في أجيالنا المقبلة على أن تكون أكثر وعيا ونقاء من سابقاتها.

وختاما، ضع دائما نُصبَ عينيك أنك قد تكون أنت مكان ذلك الشخص المحتاج يوما ما وقد يشفع لك فقط أنك في يوم من الأيام مددت يد العون لأحدهم. فالعطاء أسلوب حياة قبل كل شيء، إن مارسته بصفاء النية ستشعر حتما بمعنى حياتك وتلمس التغيير المنشود فيها.

Exit mobile version