بحر أورال .. أسطورة سُفن الصحراء

مَن منكم سمع من قريب أو بعيد حول أسطورة تقول أن هناك سُفنا راسية على كثبان رملية في صحارٍ شاسعة؟ لقد تم تداول هذا النوع من الأساطير على مر السنين من خلال السينما والقصص الخيالية أو حتى أفلام الرسوم الكرتونية التي لم تترك شيئا إلا وحاولت أن ترسم له واقعا يُجَمِّل احلام ملايين الناس حول العالم.

لكن الغريب حقاً في الموضوع، أن هذه الأسطورة التي تم تداولها عبر السنين بين مختلف الثقافات صارت حقيقة لا يمكن الجدال حولها، بفعل عبقرية الإنسان المتناهية التي ما تنفك تنتج لنا من الغرائب والعجائب ما يُعَجل بنهاية جِنان الأرض وتحولها لأرض أشبه بعالم مادماكس حيث تسود الرمال والعنف. 

بحر “أورال” أو “أرال” أو بحر “خَوارزْم” كما أطلق عليه العرب قديما، هو بحر داخلي على غرار البحر الميت وبحر قزوين، يقع بموقع جغرافي بين دولتي أوزبكستان وكازاخستان، ويعد رابع أكبر مسَطَّح مائي على وجه البسيطة بمساحة تقدر بـ 66458 كيلومترا مربعا، أي ما يعادل تقريبا تسع مرات مساحة دولة لبنان!! وبعمقٍ يتراوح بين 25 إلى 65 مترا في أقصاه؛ يحتوي بحر أورال على عدد من الجزر أهمها جزيرة كوكارال وجزيرة ڤـُزرُثدنيا وجزيرة بارسا كِلْمِز وغيرها.

يعتبر نهر آموداريا (جيحون) ونهر سيرداريا (سيحون) عصب الحياة لهذا المسطح المائي حيث يصبان فيه مباشرة مما يوفر ثباتا بيئيا وإحيائيا في هذا الحوض المائي المهم، مما يعود بمنافع اقتصادية تتمثل في ازدهار تجارة الصيد والملح بشكل يغطي الركود الاقتصادي وضعف التنمية بالمنطقة. 

كل هذا كان نوعا من أنواع القصص التاريخية على غرار ما نسمعه عن بلاد الأندلس وقارة أطلانطيس الضائعة وغابات الصحراء الكبرى؛ فبحر أورال ليس سوى ذكرى في خيالات الناس والأطفال الذين ترعرعوا على جنباته  قبل أن يدركوا أنَّ بحرهم الشاسع ما هو إلا خيال من خيالات الشيخوخة المبكرة.

نيكيتا خروتشوف، أحد أكبر عباقرة الإنسانية الذين مروا عبر التاريخ، شأنه شأن كل العباقرة الذين غيروا شكل الأرض إلى الأبد، كيف لا وهو الذي كان سببا مباشرا في تحويل أسطورة خيالية إلى حقيقة لا غبار عليها.. سفن تطفوا على كثبان من ذكريات الأطفال.

فقد قرر كبيرهم الذي علمهم السفاهة مطلع الستينيات من القرن المنصرم أن يحول صحاري آسيا الصغرى إلى مزارع قطن تدر عليه ملايين الدولارات وذلك بفضل عبقريته الفذة التي من خلالها تم تحويل مجرى نهرَيْ  سيردريا (سيحون) وأمودريا (جيحون) نحو مزارع القطن والبطيخ والأرز، تاركين الأورال لحال مصيره طوال ستين سنة وكأنه ولد يتيما دون أب أو أم. هذه المأساة التي استمرت طوال عقود ستة، قاربت على نهايتها بحلول سنة 2014 حينما تقلصت مساحة هذا الأخير إلى ما بين 5 إلى 10 في المائة من مساحته الأصلية، ويُتَوقع اختفائه تماما سنة 2050. 

وقد أصبح بحر أورال بفعل ما حل به يدعى بمقبرة السفن، حيث تظهر على طول مساحته العديد من السفن التي كانت تستقر في قاعِه منذ أزمنة مختلفة وسفن أخرى تم التخلي عنها، فأصبح الراكب يرى على مد البصر قصة من قصص الخيال العلمي أو بالأحرى قصة من قصص ما قبل الطوفان العظيم على طول البصر. 

حقا فإن الإنسان في أحايين كثيرة، وما أَنْ تغلُب عليه سلطة الأنا والتكبر والعلو، يصير نوعا من الأوبئة التي تضر بالأوساط البيئية أكثر مما يمكن لعقل عاقل أن يتخيل؛ فتحويل بحر إلى صحراء لم يكن يحتاج سوى لرجل أحمق مهووس بكل المقاييس التي يمكن البناء عليها، ناهيك عن اعتباره بطلا في عيون الكثيرين حول العالم.. 

حقا إنه لأمر محبط ونوع من الهراء الإنساني المَحض!

سهيل المعطاوي

من أعضاء زوايا