تقلبات فكرية

بين مطرقة الواقع وسندان المعرفة، عندما يموت الفكر منتحرا لا تسأل، قبل أن تعرف الشيء لن تذوق ألمه،  قبل أن تقترب لن تحترق .. وقبل أن تدخل لن تفكر، وهنا تسقط وتخضع، هنا لن تقاوم، فقط ستخضع، كل الأمور ستبدو لك في نصابها من آثار الخضوع وغياب التفكير. 

بعدها ستحاول معرفة ما تفعل لتجد نفسك تفكر وهو أمر غريب عليك، فقد تركت عقلك وسلمت مقاليد أمرك على باب الدخول، ولم تحْتَج إليه إلا بعد أن نخر الألم عظامك واستعصى على القلب مواساتك ومداواتك، فأصبحت تائها غير آبه، بل العكس.. 

على كل حال، لم تكن لتنجو فالأمور مخطط لها بدقة وعناية وأنت وسط الحكاية بيدقٌ تَصلح لأن تغطي مكان غيرك؛ غيرُكَ الذي استطاع استخدام عقله وتخلص من شباك الصيد بعد أن لبث كفريسة إلى أن انتهى دوره لكن لا نعلم مصيره. على كُلٍّ، دوره كان ثانويا، به أو من دونه ستكتمل القصة، أما أنت فدورك رئيسٌ لا غنى عنه، وفي كل الأحوال ستخسر فعلى هذا الأساس كُتِب السيناريو،  وأنت عليه تسير وستجعل منه صراطك المستقيم، لن تحيد عنه معصوب العين والفكر أنت، لكن لا تقلق هناك أخبار جيدة لك، معناها وفحواها أنَّ من رسم دورك فكَّر نيابة عنك بل إنه فكَّر في مصلحتك بدرجة أولى؛ لم يكن وهو يرسم ليتخلى عنك، ولكن ما من سبيل، لا بد أن يضحي أحدكما ليبقى الآخر، لابد من كبش فداء، هو من يفكر وأنت من يُنفذ، إذن أنت من سيُضحي. هو يعلم مسبقا أنك لم تكن لتتركه يضحي بدلا عنك لذا لم يحتج لرأيك ولا لسؤالك، فَعَل الصواب، لا تناقش، وحذاري أن يعلو صوتك في أماكن غير بيتك. 

بالله ماذا تريد أكثر؟ سيد بيتك وداخِلَه الكل مطيع لأوامرك، أنت الآمر الناهي، شاهد التلفاز أو تصفح الفيس بوك وابقَ بعيدا وإن استفزُّوك لا ترد، اصمت فقط..

فأنت لا تريد للأمور أن تسوء، نعلم هذا. 

لذا واصل، اصمت ترقب لا تفكر ولا تحاول الفهم، اصمت فقط واصمت لك بيت اصمت…

ما لك سيصلك، انظر وتأمل وللعبرة فلتأخذ، حتما سيتملكك الشعور بالإثم لكن ماذا ستغير بضع كلمات عرجاء تخرج من فمك، وأنت في الكتابة مبتدئ ولِفَنِّها لست متقنا، أكيد أنه على أعتابها ستسقط، ستُقرأ كلماتك وللنقد فلتستعد، وللإهانة فلتتقبل. ألَمْ تفكر في أولئك الأوغاد الذين ينتظرون خطأ بسيطا منك؟ قطعا نسيت،  نعلم أنك لست مستعد لهذا فمن البداية نصحناك، وقلنا أن في سكوتك راحتك، رغم ذلك كتبت وعن نصف رأيك أفصحت، وبنصف نصائحنا أخذت فالتردد واضح ومبنَى الحديث معقد والمعنى مبهم، ليس هذا ما أردناه لكنه أخف مما كنت تنوي فعله… ففيما مضى من الزمن كنا مثلك تماما نحب أن يُسمَع كلامنا، نتحدث في كل المواضيع فهمناها أو لم نفهمها، نحشر أنوفنا في كل ما جَدَّ واستجد، نلوم ونلعن والحقائق نقول… إلى أن وقعنا وطال بنا الأمد واقعين وسط ظلام حالك في سواده حُشرنا، يزداد عتمة كلما تحرك القلم، ولما رأينا النور كنا متأكدين من أنه ملجأنا الوحيد، تشبثنا به ومذ ذاك الحين ونحن متأكدين من غدر  القلم ومن قدراته على تغيير الأحوال من الظلام إلى النور أو العكس، ما تخطه وحده من سيحدد، اِحذف أفكارا واحتفظ بأخرى، وفي نفسك خبئ النص الأصلي، ليتنا وجدنا ناصحا أمينا قبل أن ندخل الظلام أو ليتنا لم نخرج منه أصلا.      

أنت لا تريد أن تموت قبل أن تعيش، أمرك يهمنا، أنت منا ونحن منك، ليس ما نطلبه منك بالشيء الكبير، فقط صُن قلمك واصمت، راقب وتأمل، ولا تنسى وسط كل هذا أن تحاول أن تعيش…

Exit mobile version