وبكل فظاظة… يعلموننا الحضارة

حول وضع المرأة في الغرب و النظرة المثالية الكاذبة

لاتخفى على أحد منا في العالم الإسلامي والعربي   الصورة النمطية التي أصبحت واقعا لا يتجزأ من مخيلاتنا عن الإنسان الأبيض المتحضر والصورة الحضارية التي أضحى يرددها كل من هب وَدَبَّ وكل من أراد مهاجمة القيم والانسلاخ عن الدين أو المجتمع، حيث يجر علينا مجموعة من العبارات التي أصبحت كرسائل صوتية بعقول مختلف مكونات مجتمعاتنا وحتى الفئة المثقفة منها، وهي صورة الرجل الأبيض الغربي الإنساني الذي يعطي للنساء حقوقهن التي سلبت منهن في الدول المتخلفة ويحررهن من الاستعباد، وأن المرأة أداة جنسية لا أكثر، قبل أن يأتوا لك بصورة أو صوتين لمجموعة من الرجال بالحافلة أو القطار يهيمون بقراءة مجموعة من الكتب في حين أن هناك فتاة بلباس مثير بينهم ولا أحد اهتم أو تحرش بها، وهلم جَرّاً من الأمثلة والصور النمطية التي رسَّخت ثقافة الرجل الأبيض المثالي. 

ومن بين الأبواب التي حاول ولازال من خلالها هذا الرجل الأبيض ينخر في مجتمعاتنا ويشوه البنية الاجتماعية التي تعتبر عصب تقدم أي أمة كانت، ألاَ وهي حقوق المرأة بالمنظور الغربي الذي يتفاخر علينا بمدى فاعليتها وكفاءتها في بناء مجتمع حضاري تعيش فيه المرأة معززة مكرمة لا ينقصها شيء، عكس دين الإسلام الذي سلبها حقوقها وحريتها و و و هلم جرّاً من الافتراءات التي لا تنطلي إلا على فارغي الرؤوس والببغاوات العلمانية. 

“إستوصوا بالنساء خيرا”  رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما. 

إن تاريخ حقوق النساء في الغرب لم يكن له هناك أثر إلى حدود  نهايات القرن 18 وبدايات القرن 19 مع ظهور الحركات النسوية التي ثارت من أجل الحقوق ضد سلطة الكنيسة والأعراف والتي جعلت حياة النساء تعيسة لحد لا يمكن تخيله . 

(وإذا باع الرجل ابنته أمَة، لاتخرج كما يخرج العبيد) سِفْر الخروج – الكتاب المقدس المسيحي. 

حيث أنهن لم يجدن لا في الدين ولا في القوانين ما يحميهن من الاستغلال، الأمر الذي فرض عليهن التمرد  ضد كل السلطات التي جعلت حياتهن لا تطاق، و على سبيل المثال، كان يحق لرجلٍ في الفترة ما بين القرنين 17 و 19 بيع زوجته في السوق إذا احتاج المال لتسديد ديونه أو في حالة إذا ما أراد التخلص منها، ناهيك عن استعمال ما يصطلح عليه لجام التأنيب وهو قفص حديدي يوضع لرأس تبرز منه قطعة للداخل توضع تحت اللسان لمنع المرأة من الكلام عقابا لها؛ الأمر الذي جعلهن ينتفضن من أجل حقوقهن مدعومين بمجموعة من الحركات الليبرالية التي لم يكن هدفها قط حقوق المرأة المظلومة أكثر من بلوغ السلطة والركوب على الموجة النسوية لأسباب سياسية واقتصادية. 

قد يقول قائل أن هذا كان في أزمنة غابرة مما فرض حركة تغير شاملة أدت إلى ظهور مجتمعات غربية متحضرة تقدر المرأة وتمنحها حقوقها، والأحرى أن نظرة الرجل الغربي المتحضر تختلف تماما عن نظرة الرجل الشرقي الشهواني الغرائزي.

هنا يبرز أمامنا استطلاع رأي قام به مركز PEW للأبحاث بأمريكا، حول موضوع تقييم المرأة بالنسبة للرجل الأمريكي، حيث جاءت المؤهلات الجسدية في المرتبة الأولى بنسبة 35%  في حين احتلت الاحترافية والنجاح المهني المرتبة السابعة في اهتمامات الرجل الأمريكي بنسبة 8% في حين تموقعت المرأة المهذبة والمحترمة في المرتبة ما قبل الأخيرة بنسبة 5%  تحت ما يسمى التسليع الجنسي للمرأة SEXUAL OBJECTIF OF WOMEN ، حيث أن النساء انتقلن من العبودية المباشرة إلى العبودية الناعمة، ثم يأتيك في آخر اليوم ببغاء أو رجل غربي يحدثك عن النظرة الشهوانية للرجل الشرقي ومدى تخلفه حضاريا، ضاربا عرض الحائط كل الإحصاءات والدراسات الأوروأمريكية التي تثبت مدى تشوه صورة المرأة في المجتمعات الغربية، بل مدى العنف والقسوة في التعامل معهن في مختلف المجالات والأماكن ومن مختلف الطبقات الاجتماعية وعلى جميع الأصعدة، حيث نشرت وكالة BBC  تقريرا سنة 2018 يفيد أن النساء يتعرضن للتحرش داخل البرلمانات الأوروبية حيث يجب أن تصان الحقوق وتصدُر القوانين التي يتبجحون بها علينا صباح مساء، والأدهى من ذلك تقريرٌ لوزارة الدولة لحقوق المرأة الفرنسية حسب قناة France 24 سنة 2015 الذي يقول أن 100% من النساء الفرنسيات تعرضن للتحرش الجنسي، بل وفي سنة 2019 نُشِر تقرير على صحيفة الجارديان البريطانية يفيد أن حوالي نصف الطالبات الجامعيات تعرضن لاستفزازت جنسية وتحرش،  دون ذكر الاستفزازات و الإستغلال الجنسي داخل أماكن العمل قصد الحفاظ على العمل أو الحصول على ترقية.. ووصلت الأمور إلى تزايد الاحتجاجات ضد الممارسات التحرشية التي يقوم بها مجموعة من الأطباء في حق النساء عند المعاينة الطبية بولاية كاليفورنية الأمريكية. 

أما بخصوص العنف ضد النساء فحدث ولا حرج، حيث تثبت الأرقام الصادرة من دولهم هول ما يحدث للنساء في الوقت الذي يسعون بطيبتهم المعروفة تحرير نسائِنا من العبودية المزعومة، حيث أكد تقرير صادر عن مكتب الجرائم الأمريكية أن 39% من الشباب يرون أن إجبار الفتاة على ممارسة الجنس معهم بالإكراه أمر عادي في حالة إذا ما كانوا قد صرفوا عليها المال، أما 54% منهم يقولون أنه يمكنهم إجبار الفتاة على الجنس في حالة غيرت رأيها في آخر لحظة بعد أن كانت موافقة!! وقد نشر نفس المكتب تقريرا سنة 1992 يفيد أن حوالي 35% من النساء اللاتي دخلن حالة الطوارئ بالمستشفيات الأمريكية كُنَّ ضحايا العنف والضرب الممارس عليهن. 

في حين يشير تقريرٌ للتحالف القومي ضد العنف المنزلي بأمريكا أن واحدة من كل أربع نساء تتعرض للعنف الشديد. 

ولقد شاهد العالم كله وعلى مرأى العين  المظاهرات التي جابت شوارع فرنسا من طرف النسوة احتجاجا على أوضاعهن وما يمارَس عليهن من عنف تحت شعار ” كفى قتلا ” ، في حين أكدت قناة France 24  أن امراة تموت كل 3 أيام بفرنسا بسبب العنف الزوجي بالبلاد. وفي شهر نونبر المنصرم نشرت نفس القناة تقرير بعنوان ” اغتصاب امرأة كل 7 دقائق بفرنسا”.

في الحقيقة لا يسعنا الكلام في الحديث عن كل ما تعانيه المرأة الغربية من معاملات وتمييز بسبب الجنس وما سببته الحركة النسوية التي أصبحت أكثر راديكالية من الكنيسة نفسها في القرون الوسطى، ما تسبب بكل هذه  الكوارث على المجتمعات الغربية .
من انحلال أخلاقي وأزمات اجتماعية حيث يبلغ عدد الأطفال المشردين بأمريكا وحدها 2.5 مليون طفل  ناهيك عن حوالي مليون حالة إجهاض سنويا 84% منها لنسوة غير متزوجات، دون الحديث عن الاستغلال الجنسي على مختلف المستويات. 

ورغم كل هذا، سيظل الرجل الغربي المثالي هو المثال السامق للأخلاق والمُثُل العليا، في حين أن الرجل الشرقي المتوحش الشهواني هو المثال الحي عن الانحطاط والدونية في مخيلة أغلبية الناس والحركات النسوية في عالمنا الإسلامي وفي منطقتنا الشرق الأوسطية بمختلف مكوناتها من عرب وكُرْد و أمازيغ من أجل ترسيخ ثقافة الجهل والدونية بين مختلف فئات المجتمع وضرب أي حركة من حركات الوعي المجتمعي التي من شأنها بناء أمة واعية مثقفة تفهم الدين و الحَقَّ والواقع الفهم الصحيح دون تعصب أو ظلم لأي فئة من مكونات المجتمع رجالا ونساءً إحقاقا لِمبدإ العدل. 

Exit mobile version