تدوينة متصدرة

سيناريوهات الرّد الإيراني على اغتيال قاسم سُليماني

عن سيناريوهات المواجهة المحتمَلة بين طهران وواشنطن

بالنّظر إلى العلاقات الإيرانية الأمريكية، نجد أن هنالك من يعتقد أن هذه التصعيدات وهذا الخلاف بين البلدين خلاف مصطنع مفبرك وخطة مشتركة تضمن للبلدين مصالحهما بمنطقة الشرق الأوسط (تزويد أمريكا بالنفط وتوسعات إيران الميليشية في كل من لبنان والعراق وسوريا). ولعل هذا التخمين راجع إلى الدعم الأمريكي للميليشيات الإيرانية في العراق وسوريا ومنع أمريكا للسعودية والتحالف العربي باليمن من السيطرة على ميناء “الحُديدة” والذي كان سيكون ضربة قاضية للحوثيين، بالإضافة إلى المساعدات الاستخباراتية والعسكرية والحماية التي قدمتها إيران لأمريكا خلال حربها ضد العراق وضد حركة طالبان بأفغانستان. 

على صعيد آخر، هنالك من يرجّح خيار أنَّ الصراع بين البلدين حقيقي، وهذا التعاون هو تعاون تكتيكي فقط غير استراتيجي، إذا ما اعتبرنا أن كلا البلدين لا يخدمهما تواجدٌ قويٌ للسُّنّية بالمنطقة. 

ولكن، بالعودة قليلًا إلى الوراء، نجد أن العلاقات الإيرانية الأمريكية اتسمت بالحَمِيمِيّة في عهد محمد رضا بهلوي الذي كان في الأصل مدعوماً من أمريكا وبريطانيا، إلى أن قامت “الثورة الإيرانية الخُمَيْنية” فنَحَت العلاقات بين طهران وواشنطن اتجاها معاكسا تماما؛ حيث صرَّح الخميني في أكثر من مناسبة أن أمريكا هي العدو الأول للإنساني والعدو الأول للإسلام. 

وهنا تدهورت الأوضاع، ففي السنة ذاتها التي اندلعت فيها الثورة الإيرانية (1979)، هاجم حشد من الطلبة الإيرانيين السفارة الأمريكية واحتجزوا 52  موظفًا كرهائن، وفي سنة 1980 انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بشكل نهائي. وفي سنة 1988 أسقطت أمريكا طائرة تابعة للخطوط الجوية الإيرانية وقتلت 290 راكبا ورفضت تحمل مسؤولية ما قامت به. وفي سنة 2002 ضَمَّ الرئيس الأمريكي بوش إيران إلى “محور الشر” المتمثل في العراق وأفغانستان، إلا أن كل هذا لم يمنع البلدين من التعاون فيما بينهما خلال حرب العراق وطالبان كما أشرت إلى ذلك في البداية؛ لقد عَمِلا بمبدأ عدو عدوي صديقي. 

إلّا أن اغتيال قاسم سليماني غيّر حسابات الجميع، على ما يبدو. هذا الجنرال الذي سطع نجمه في الحرب الإيرانية العراقية والذي أصبح رجلا استراتيجيا في المنطقة، حيث دعَمَ “الحوثيين” و”حزب الله” و”حركة حماس” ونظام الأسد في سوريا وشيعة العراق طبعا، فكان لا بد أن يُحسَم أمره.  إنّ توقيت اغتياله راجعٌ إلى سببين اثنين:

أوّلهما: الرئيس الأمريكي كان في حاجة إلى ورقة مثل هذه تُقوّي ملفّه الانتخابي القادم، خاصة وأنه في موقف حرجٍ مع الكونغرس بعد قرار العزل. 

ثانيهما: أرضية العراق المشتعلة بحراك شعبي مكون أساساً من الشيعة، ولعل فشل السليماني في تعيين رئيس للعراق أضعف نفوذه، هذا ما دفعه لاستعمال بطاقة تشتيتٍ لأفكار الشعب العراقي وتوجيهه للمطالبة بترحيل القوات الأمريكية من البلاد، وقد نجحت خطته نسبيا؛ حيث أدى هجوم الميليشيات العراقي إلى مقتل مواطن أمريكي وجرح اثنين، فرَدَّت أمريكا بقصف أودى بحياة 25 شخصا. 

ومن هنا انطلق حشد من مؤيدي الميليشيات العراقية والشيعة الإيرانية وهجموا على السفارة الأمريكية في بغداد (التاريخي يعيد نفسه أم ماذا؟!)

و كان هذا هو خطأ الشّاطر، أقصد قاسم سليماني، حيث استفز بفعلته ذاكرة الأمريكيين، أو لنقل ذاكرة ترامب، حيث لا يخفى على أي أمريكي كيف أن حادثة 1979 ورهن 52 شخصا كانتا سببا في خسارة الرئيس جيمي كارتر حينها. 

تقرؤون أيضًاعلى مدونة زوايا

    الآن، نحن أمام سيناريوهات مفتوحة للرد الإيراني:

    • قد تستعمل إيران قواها الداعمة لها في العراق للمطالبة بسحب القوات الأمريكية من العراق؛ في حال رفضها، تصبح هذه الأخيرة في نظر المجتمع الدولي قوات احتلال وجب طردها ومقاومتها، وفي حال ما انسحبت القوات الأمريكية تكون إيران قد بسطت قبضتها على بلاد الرافدين (لكنه يبقى احتمالا ضعيفا نظرا لتواجد السنة والكردستان الذين لن يقبلوا بذلك). 
    • تنازلات أمريكية لصالح  إيران بغرض تهدئة الأوضاع (رفع العقوبات الاقتصادية والعودة إلى الاتفاق النووي). 
    • مواجهة عسكرية قد تأخذ واحدة من هذه السبل: هجوم إيراني مباشر على القواعد العسكرية الأمريكية المتواجدة على كل من أراضي أفغانستان والعراق والخليج وتركيا، أو اللجوء إلى ورقة اغتيال السفراء أو عمليات هجومية لميليشياتها في كل من لبنان وسوريا على إسرائيل، وكذا دفع الحوثيين إلى الهجوم على  آبار النفط لكل من السعودية والإمارات. 

    ويبقى الاحتمال الأصعب والأقرب إلى حرب عالمية ثالثة هو سيطرة إيران على مضيق “هرمز” الذي يمثل الشريان الرئيسي لتجارة النفط في العالم، لأن هذا سيجر دولا أوروبية وخاصة بريطانيا إلى التصدي لإيران دفاعا على مصالحها. 

    رغم أن احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة يستبعده أغلب المحللين السياسيين، غيْرَ أني أراه وارداً جدّاً، ربما ليس الآن ولكن في السنوات القادمة .. فلا تنسوا أن الأزمات الاقتصادية كانت تشكل أساس فتيل الحربيْن العالمية الأولى والثانية، ناهيكم عن أن اغتيال ولي عهد النمسا على يد طالب صربي كان سببا مباشرا في اندلاع الحرب العالمية الأولى، فمن يدري قد يكون اغتيال القائد قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني على يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سببا في حرب عالمية ثالثة مع بداية الألفية الثالثة!! 

    للتدوين معنا على زوايا .. راسلونا على
    https://zawayablog.com/%d8%a3%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d9%85%d8%b9%d9%86%d8%a7/

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *