في أمَسّ الحاجَة لفلسفة المعنى ..

حينَ احتضارِ الإنسان السّائل!

أكاد أجزم ألّا أحَدَ خطّط لفلسفة حياةٍ سَيَسِير على نهجها، فالإنسان خُلِق هكذا، فقط يريد أن يلتهم كل ما يجد وما يرى، كل ما نسري عليه مجرد تقعيد لم نَمتحِن الخوارزميات المكونة له، أو نظريات وأعراف وتقاليد ندافع عنها أو إشاعات عشوائية صدقناها، إذا فما نحن أحياء بصدده هو غير دقيق بالمرة !

هل الإنسان مشغول كثيرا كي يتغاضى عن التخطيط والتدقيق لاختراع فلسفة حياة يستنجدها حين يقع في مَطَبٍّ أو حين يحني ظهره؟ هل الأديان جسدت فلسفة ما نتحدث عنه حيث كانت تعلم أن الإنسان سيكون مشغولا عن أهم شيء في حياته حين غفلة أو هوس باللامبالاة التي يتفنن في تجسيدها؟ هذا الإنسان لا يتصور أن يأتي لهذا العالم بدون كاتالوجِه (catalogue)، ما بالك بأي آلة لها مَكْننة ذلك، فهل الآلة أقـدَسُ من مخترعها؟! 

عجز الإنسان عن ذلك صراحة، فكل ما هناك شرود فلسفي، هنا وهناك، من مجتمع إلى آخر، لا تنتهي بالمقارنات المنطقية وغيرها، فيكثر عليها الشرح الوافي والوجيز والمطول، لكن تشتت الحقيقة يأتي متناسبا مع قيمتها، فالزَّيف يستطيع أن يجوب العالم حين لا تبرح الحقيقة مكانها !

لِيسِينغ وصل لهاته الفكرة حين وقف على أن الجري وراء الحقيقة لا فائدة منه، فَنِيتْشه لم يصادفها رغم جرأته في السعي وراءَها، كذلك في نظرية التوحد أو توحيد كل شيء في الكون في نظرية، رغم وحدة الكون، فرأينا كيف استسلم أب الفيزياء في ذلك، ولا حتى هوكينغ بدا عاجزا؛ لذا كان من الأهم القول أن للبشر السعي نحو الحقيقة فقط فهم لا يستطيعون إمساكها بشرف، وجرأة مواجهة الحقيقة رهينة بالعيش على فلسفة عيش  !

إذن، فإيجاد فلسفة حياة لم يكن يوما أهم ما في حياة الشخص، فهذا الكائن يبغي التيه ويتأقلم حتى مع تناقضاته، يعيش بسلام بأسس متعارضة (paradoxale)، يستطيع أن يعيش أي حياة دون قيمة فيستطيع تبرير الحسن قبحا و تصوير الرديء جيدا، لا يتعب نفسه كما يفعل زَرَاداشْت، لا يهمه الشرف صلبا كان أم سائلا هو فقط يريد أن يحيا ويتكلم وينشد ويتعارك كي يحدث طنطنةَ الوجود، حين يكون لحياته وجود تدل عليه  !

في القرآن الكريم، جاءت الإشارة لذوي العقول المنشغلة دون توقف، الذين يرددون: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار}؛ {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ}، حياة جاءت نكرة أي مهما كانت تلك الحياة ذميمة أو ذليلة ترى القوم حريصين عليها يتهافتون، أي بمعنى حريصون على حياة عشوائية سبكها التقليد وحبكها التقعيد، لا تستند إلى أي فلسفة أو تنظيم محكم، ومن شاهد تحفة فنية حديثة العهد لعب فيها الممثل الأمريكي خواكين فينيكس دورا تعجيزي في فيلم “Joker” سيعي جيدا مامدى تماسك هاته الشذرات …

الإنسان لا يموت حين تقتُله بل يموت حين تتجاهله، حين تراه رقما في إحصائيات ومباراة كرة القدم، وفي لوائح الانتخابات وعلى حجم مشاهدات “كهَنة” التواصل وقنواتها، ولذلك أنذر الفيلسوف الألماني أوكسيل هونيت الذي أسّسَ فلسفته على الاعتراف الذي يبني عليه الإنسان رمزه المشع، أنَّ رقمنة كل شيء مع امتداد المادة سيتحول معها كل شيء صلب إلى سائل على طريقة باومان، وسيصير الإنسان مَسْخاً على طريقة كافكا!

كمال المينوري

للتدوين معنا .. راسلونا عبر تعبئة النموذج التالي
https://zawayablog.com/أكتب-معنا/

مدونة زوايا

زوايا فريق شاب مؤلف من 10 شباب عرب مختلفي التخصصات والاهتمامات و غزيري الأفكار يجمعهم حب التدوين والرغبة في إثراء الويب العربي بمحتوى مفيد فريق زوايا ذو أفكار خلاقة وعزيمة متأهبة يعدكم بمحتوى مدوناتيٍّ أقل ما يقال عنه أنه استثنائي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *