مَديـنةٌ للخيانة

#خاطرة .. فـي "فضائل وإيجابيات الخيانة"

لا يوجد شيء أكثر بشاعة من الخيانة، أن تُخان هو أبشع شعور قد يُصيب قلبك، ليس أبشع شعور فقط بل أبشع شيء قد تصادفه في هذه الحياة. 

صدّقني أيها القارئ العزيز، صدّقيني أيتها القارئة العزيزة، لا يوجد وجع يُؤلم كألمها ولا توجد خيبة قد تُبكي حق بكائها. الخيانةُ خيانة، والغدر غدر، بشتى أشكالها مؤلمة .. فما بالكم بـكُبّة خيانة مغزولة بأصابع أحبائكم، خيوطُ صوفها خليط من أسراركم وثقتكم، ملونة بحبكم، بخوفكم عليهم. 

هذا الشعور أشبه بجرح متعفن يقتلك شيئا فشيئا وما أن تُوشِك روحك على وداع جسدك إلى أن يخونك الموت أيضا، فتبقى حيّا معذبا بين حلمك لمغادرة الحياة وواقعك البئيس.

تتساءلون فيما بينكم عمن خانني؟ أعتذر عن الجواب؛ لأن السؤال الصحيح والصائب: من تبقى في هذه الحياة  لم يخُنِّي؟ العالم خانني، من أحببتهم خانوني، من خدمتهم خانوني والزمن خانني. تذوقت طعم الخيانة من زوجي وأنا أحمل في أحشائي جزءاً منه، جزء من دمه ومن روحه… قدم لي خيانته كهدية على طبق من الخذلان، كانت الهدية بمناسبة اقتراب مولد صغيرتي، فكانت ولادتها مزيجا من المشاعر المتناقضة؛ أهي فرحة العمر بقدوم ثمرة حبنا لهذا العالم؟ أم هي ذكرى غدر وخيانة سترافقني طيلة حياتي؟ أهي بداية حلمنا كما كنا نطمح سويا؟ أم هي نهاية زواجنا وأحلامنا؟ ما رأيكم في استمرار الحب بعد الخيانة؟ ما رأيكم في إيجابيات الخيانة؟ تستغربون من سؤالي؟

تقرؤون أيضاً على مدونة زوايــا

الغريب أن الخيانات التي تلت خيانة زوجي لي كانت أبشع بكثير من خيانة هذا الأخير، فبعد مرور شهرين على ولادة صغيرتي كانت معاناتي أشبه بكوابيسَ ترافقني في كل أرجاء بيتي، قررت أن أسافر لعل السفر والبعد يخفف القليل من آلامي ولكن هيهات هيهات على ما كان في انتظاري، كانت خيانة مميزة بطعم دخيل، مُرٌّ ممزوج بالخيبة والخذلان، خانتني صغيرتي الأولى، الصغيرة التي أمضت تسعة شهور في بطن أمي، إنها غاليتي رفيقة دربي منذ ولادتها، إنها مؤنستي وكاتمة أسراري، كنز حياتي التي لطالما افتخرت بكونها أختي، لا أدري كيف ومتى ولماذا خذلتني. كانت الأحداث متتابعة، غامضة ومبعثرة، ولكن لم تكن أكثر بعثرة من حوار قلبي وعقلي عندما قرأت رسائلها مع قريبة لنا، عندما رأيت أحرف رسائل أختي المختارة والمرتبة للتعبير عن كرهها لي ومتمانياتها لرحيلي؛ لأن وجودي يزعجها… وما لم ولن يُنسى هو دعاء قريبتي بموتي أنا وصغيرتي في حادثةٍ إبان عودتنا من السفر، وبكل شغف كانت إجابةُ غاليتي” آمين”!! لم تكن الكلمات قاسية فحسب، بل كانت رحيق القساوة والبغض. 

لممت أمتعتي وأمتعة صغيرتي وقصدت أول قطار يعيدني من حيث أتيت. كان يوما ممطرا، لم يتوقف المطر عن الهطول كما كان الحال مع دموعي، دموعي ودموع صغيرتي، دموعي كانت من الجفاف الذي أصاب قلبي ودموعها كانت بسبب جفاف ثديَيَّ من الحليب الذي تقتات منه. 

كانت المسافة طويلة للغاية، كان كل ما أتمناه هو الوصول إلى حضن زوجي، على أيٍّ ! هو لم يتمنى موتي، لم يقوى على رؤية دموعي؛ بعد اكتشافي لخيانته عاد نادما، ترك كل العالم وأتى معتذرا وظل بجانبي في كل لحظة، وبدَل دمعٍ من دموعي كانت دموع قلبه دما وحسرة. وما إن وصلت وبكيت في حضنه وأنا أشكو له ألمي منه ومن غاليتي، حتى رنَّ هاتفي لأسمع عتابا على تهوري لأني بُحت بأسراري لغاليتي، الأسرار التي استخدمَتْها وسيلة للدفاع عن نفسها أمام والدَيْنا. وفجأة أصبحت بدون أسرار وحيدة، ضائعة، تائهة، مصدومة وضعيفة.

لم أتهور رغم كل ما حدث مع العلم أنني لم أذكر سوى خائِنَيْن، غاليتي ومحبوب قلبي، بل على العكس أنا ممتنة للخيانة لأنها أعادتني لحياتي الحقيقية، الخيانة أسقطت أقنعة مزورة لتريني الأوجه الحقيقية. قبل اكتشافي لخيانة زوجي كنت في طريق خاطئ، كنت مهووسة به، أحببته لدرجة أنني كدت أُجَن به بل وأوشكتُ أن أعبده، بوجوده أهملتُ كل الأشياء الجميلة المحيطة بي، أهملت دراستي وفقدت شغف العمل وتحقيق ذاتي، كان شغلي الشاغل هو زوجي، كنت أجد متعة في تنظيف ملابسه وكنت أعشق تحضيري لأطباقه المفضلة وترتيبها على أرقى مائدة، حتى ملابسي أهملتها وأصبح معيار اختياري لملابسي هو مقدار راحة زوجي، حتى بشرة وجهي تخليت عن ترطيبها لأنه كان يغار من العطر الذي يفوح منها ونحن في الشارع. 

بعد خيانته تصالحت مع نفسي ومع ملابسي واسترجعت شغفي في تحقيق أحلامي، أصبحت أحب نفسي، اكتشفت أنني في الطريق الخاطئ؛ في الوقت الذي كان هو يحقق أحلامه كنت أظن أن أحلامه هي أحلامي ولكنني كنت مخطئة. 

 لوْلا الخيانة لما عدت لدراستي، لما أعدت التوازن لحياتي، ما كنت لأنصف نفسي من جديد. قبل معاناتي من ألم الخيانة كنت متمردة في حبي لأحبائي. بفضل الخيانة، أصبح حبي لمن حولي متَّزِنا؛ لم تعد عواطفي بالمجان كما كانت من قبل، تحول تمردي وإفراطي في حبهم إلى تمرد في حب نفسي، في الاعتناء بمشاعري والحرص على المحافظة عليها، لهذا أنا مدينة للخيانة، أدين لها بكل خطوة إيجابية قمت بها لأجلي. 

أميمة الملولي

أحببت أن أضيف مشهدي وأنا أكتب هذه الخاطرة، أكتبها وصغيرتي غارقة في نومها في سريرها الصغير الخشبي المزين بالقماش الوردي، بينما زوجي بجانبي يحاول التقاط بعض الكلمات، والفضول يكاد أن يقتله، لم يستطع تفسير الابتسامة المرسومة على وجهي مع علمه أنني أكتب خربشات عن الخيانة وما عانَيْتُه. وفي هذه الأثناء أنتظر اكتمال تحميل دروس على هاتفي لأنني عدت لدراستي. الحياة جميلة وقصيرة، استمتعوا بحُبّها وبحب ذواتكم.

للتدويــن معنا على زوايـا ونشر إبداعاتكم .. راسِــلونا عـلى
https://zawayablog.com/%d8%a3%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d9%85%d8%b9%d9%86%d8%a7/

Exit mobile version