خيبة أمل

كانت عقارب الساعة تشير إلى السابعة صباحا؛ وهو وقتُ ذهاب محمد إلى عمله غير القارّ، وهو متوجه نحو عمله تصادف مع إعلان عُلّق عند باب مديرية الأمن الوطني يخص  مباراة تنظمها وزارة الداخلية ، فقرأ وتمعَّنَ الشروط المطلوبة وأكمل طريقه إلى عمله. مباشرة عند وصوله طلب من المسؤول أن يمنحه ذلك اليوم “راحة” من أجل قضاء أمر مهم دون أن يخوض معه في التفاصيل، فحاز على مطلبه، شريطة أن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يسمح له بذلك.

خرج محمد مهرولا لجمع الوثائق المطلوبة مِن فرط الحماسة، وبعد أن جمعها توجه إلى مديرية الأمن لتقديم ترشيحه للمباراة، بعد فحص الملف وجدوا كل الوثائق متوفرة ولا ينقصه شيء، وبعدها خضع لقياس الطول، فوجدوا فيه الطول المطلوب، ومن شدة الفرح لكون ملفه تم قبوله بسهولة، قام بعناق أحد اللجان هناك عناقا حارا، وكأنه يعنق جده العائد من العمرة، ظنا من المسكين أنه “قطع الواد ونشفو رجْليه”!

ظلّ المسكين كل يوم يراقب الموقع الخاص بالمباراة التي اجتازها، ليرى هل من أخبار جديدة أم ليس بعد!!فلم يكن يجد سوى العبارة التالية “الملف قيد المعالجة” و التي كان يجهل معناها، كان يظن أنه لم يتم قبول ترشيحه، لربما هناك عملية انتقاء أولية، لاسيما أن بعض أصدقائه قد توصلوا بالاستدعاء عبر الموقع وهو ما زاد من قلقه وتوتُّره .. وحتى يقطع الشك باليقين، ذهب إلى المديرية ليستفسرَ عن الأمر، فأخبره أحد الموظفين هناك أنه لا شيء يدعي للقلق حيث أن الكل سيجتاز الكتابي، وهو ما بعث الفرح والطمأنينة في نفسه من جديد، فرغم ضيق الوقت بسبب العمل فلم يعد يجد “حتى الوقت باش يْحَك راسو”، إلا أنه قرر أن يكافح من أجل توفير ربع ساعة على الأقل في اليوم من أجل الإعداد للكتابي، فحتى السلحفاة أضحى يعرف عدد أسنانها!

المسكين يقوم بالمستحيل من أجل الفوز بهذه الوظيفة الشاقة والمليئة بالأخطار! من أجل التكفل بأبيه الذي بلغ من العمر عُتِيّا، ولم يعد يقوى على العمل من جهة، وبأمه التي نخر جسدها السرطان – نسأل الله السلامة – من جهة ثانية. 

فما هي إلا أسابيع قليلة، ليتصفح الموقع المعهود، فإذا به يجد عنصرا جديدا بالموقع باسم “شروط الانتقاء الأولي” فقام بالدخول إليه، ليجد مفاد الاعلان أن هناك عملية الانتقاء بالفعل حسب النقط المحصل عليها في الشهادة المطلوبة، وللأسف نقطته لم  تُسعفه لاجتياز الكتابي، هي بضع أعشار ما بعد الفاصلة حرمته من ذلك!

صدمة كبيرة شعر بها في تلك اللحظة الملعونة، لتكون بذلك كل أحلامه قد تبخّرت!

يقال أن الرجال لا تبكي، فقد أثبت المسكين أن هذا الكلام لا محل له من الصواب، فلم يَكُفّ المسكين عن البكاء قط، فقد كان يراود تفكيره في تلك اللحظة أن يقدم على الانتحار، لولا إيمانه الشديد بالله عز وجل الذي جعله يتراجع في قراره، فقام فتوضأ وصلى، وبعدها مباشرة خلد إلى النوم مطمئناً!

Exit mobile version