أطلقوا حرية الأسرار

عن الخوف من البوح بالأسرار

لا أدري لماذا نخفي أوجاعنا ولا نسرد ما يؤرقنا، ونخشى أن يعرف الآخرون أخبارا عن فشلنا ونكساتنا!! 

لا نوم يحلو ولا عين يغمض لها جفن، خوفا ثم رعبا ثم كابوسا، ثم ما لا نهاية فوق أساطير ومواويل لا تنتهي لتبدأ أخرى، هكذا ظللت أخبر أمي وكل من أحبهم على أن دربنا وحَيَّنا وكل ركن أنتمي إليه لن ينتبه، إلا أنني أصررت أن أكون على ما أنا عليه بقدر ما سيضعون اهتماماتهم الفارغة أنني صرت أُما وتزوجت دون أن أدعوهم إلى حفل زفافي وأن زوجي لم يرُقهم وأنني يجب أن أنجب قبل أن أصبح العاقر الأولى في المملكة، وأشياءً أخرى كثيرة؛ لن يكفوا عني حتى يتمسكوا بآخرَ سُجن وآخرَ مات سكيرا…

حينها أخبرتُ والدتي أن من يقلل من شأني ومن يبحثون سجل حياتي عليهم أن يواجهوا ما واجهت ليعرفوا كم هم جبناء، ويتحَرَّوا الفرق بيني وبينهم فيعلموا أنني اخترت الرحيل ولم يتملكني الاستسلام.

ثمّ لم كل هذه الحروب التي تقودونها بأسلحة كيماوية وأخرى تتسبب في الزهايمر؟ كلها خراب، تضيع فيها سنواتٍ من عمرك تبحث فيها عن انتصارات سخيفة تضعك أمام جسد متهالك هش، وذاكرةٍ بيضاء تشل قدرتنا على معرفة من نحبهم. 

ثم حين نذرف دموعا تشبه مطر ديسمبر – وهي فالحقيقة أمطار الهزيمة الثقيلة التي لا نتحمل ثقلها على عتبات حياتنا- نختارُ من القول  ياليتني ما كنت لهذا ولا فعلت هذا.. حتى يحن القدر ونرى ما ينسينا ما أكلنا من لقمته سُّما فتاكا ظل ينخر أحلامنا ويقيض فينا ذلك الخوف الذي سنستشعر في نهاية المطاف أنه حربنا الأولى والأخيرة مهما قصرت هزائمنا ومهما تعددت انتصارتنا.

هذا الخوف الذي لم يشبع كل الصيادين في اصطياد فريستهم كلما أتيحت لهم الفرصة على موائد الأعياد والمناسبات لرصد توقعاتهم عن فشلنا ونجاحنا وأمراضنا، وكم نملك في حساباتنا البنكية وبروفايلاتنا المهنية والعلمية حتى يروق لهم أن يختاروا متى يعلنون صداقتهم معنا ويذكروا بطولات طفولتنا معا.

ولما فشلوا في مهمتهم لأننا لم نرضي غرورهم وكبرياءهم، حتى تجرَّؤوا بالثرثرة عن نصائح زعموا إسداءها لنا ولم نولِها اهتماما فَفُتِك بنا وها نحن على حافة الإنهيار. هذا الذي كان عدوا صار صديقا وها من كان حقودا ظل وغْداً.

إن الشيء الوحيد الذي أدمنته وسأدمنه ما تبقى في رصيد حياتي هو التجاهل، وها أنا أبوح بنجاحاتي وفشلي وخططي وكل ما يجود به ناقوس الخطر في حياتي، لأنني وجدت في هذه الخصلة الحميدة رحمة واسعة مَلَكتُ بها نفسي حد الحياة، فمنها أيقنت أن لا مجال بعد الآن للأسرار ما حييت حتى أموت بذاكرة معروفة.

 لأنكم لاتحبون الكتب المفتوحة وسهلة المنال لكن أنا أكره سهل الممتنع وأراه فيكم.فعذرا …! فأنا لم أعد قادرة على تحمل الخسارات التي لاتطاق، فالخسارات ليست هي تلك أن تفقد قدرا من المال أو حبيبا لم تستطيعا معا الاستمرار أو تأخر رحلة أو عدم قبولك في الوظيفة أو حتى عدم نجاحك في الامتحانات…إلخ، بل إن الخسارة هي أن تفتقد أشياء لانلتفت لها إلا برحيلها، حيث كانت تبدو  صغيرة وغير مهمة كإنسان عزيز ابتلعه التراب فيبدو لك السير حينها على التراب أشواكا موجعة أكثر من تلك الخسارات التي تكون قابلة للعوض، ومنك العوض.

بوتشكيل خديجة

صحافية وطالبة باحثة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *