ماذا تعرف عن فيزياء المادة المظلمة ؟

#تدوينات_العلوم | عن فيزياء المادة المظلمة

منذ سنة 1961، عندما اكتشف كل من “فيرا روبين” وَ”كينت فورد” أن المَجَرّات لا تتصرف كما يجب عليها أن تفعل، بدأ العلماء بشكل جدي في البحث عن السبب الخفيّ وراء هذه السلوكيات الكونية؛ ممّا دفع بنظرية المادة المظلمة للبروز على السطح، حيث ترى هذه النظرية أن المادة المظلمة رغم أننا لا نستطيع رؤيتها أو رصدها بشكل مباشر إلا أننا نستطيع إثبات وجودها من خلال تأثيراتها الجانبية والكبيرة على الكون؛ ويبقى كل يدور في حقله النظري إلا أنه بشكل من الأشكال يدعو إلى الراحة ويوحي أن العلماء يعرفون ما هم بصددِ معالجته، وقد يستغرب البعض من هذا قائلا يبدو أن العلماء اخترعوا حيلة رياضية سحرية لتجنب عجزهم وذلك بغرض جعل الرياضيات تعمل مع النظرية ليس إلّا!

كيف يمكنني أن أصدّق ؟

صرحت “كاثي ماك” عالمة فيزياء فلكية في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، ومهتمة بدراسة المادة المظلمة؛ “يسأل الناس هذا السؤال كثيرًا “أنت تعرف، ربما تكون المادة المظلمة مجرد هراء أو شيء ما” لكن بالنسبة إلى علماء الفيزياء الفلكية، فإن المادة المظلمة أكثر من ذلك بكثير“.

وإذا عُدتَ إلى صفّ فيزياء بالمدرسة الثانوية، فربما تتذكر أنه كلما زاد عدد الكتلة، زادت قوة تأثير السحب  لدى الجاذبية. إذا كانت المجرات مكونة فقط من الأشياء التي يمكننا رؤيتها، فلن يكون هناك ما يكفي من الثقل لإبقائها معًا، وأقل من ذلك بكثير للحفاظ على النجوم في الحواف الخارجية المتناثرة التي تدور بسرعة هائلة. في الواقع، يعتقد العلماء أن المادة الطبيعية تشكل أقل من خمسة في المئة من الكون. بينما تبلغ نسبة المادة المظلمة 27 في المائة، والباقي هو قوة غامضة تسمى “الطاقة المظلمة”.

ويمكننا أيضا ملاحظة انحناء الضوء في الفضاء بمجرد مروره بجانب العناقيد المجرية أو المجرات أو حتى الثقوب السوداء والنجوم، وهذا التشوه ناتج عن تشوه الزّمَكان (اندماج الزمان والمكان وفق مرجع فضاء مانكوفسكي) حسب نظرية النسبية لأينشتاين؛ حيث إنّ هذه التشوهات تحدُث بفعل الجاذبية التي تنتج عن كتلة هذه الأجسام المادية في الفضاء والتي تؤدي إلى تشوه الزمكان وتسمى هذه الظاهرة فزيائيا بظاهرة “المفعول العدسي التثاقلي”؛ إلّا أن الغريب في الأمر، أننا كلنا نعرف أن هذه الظاهرة تحدث بواسطة المجرات والعناقيد المجرية أو الثقوب السوداء، إلا أن هذا الأمر أكبر من أن يتم تفسيره بهذه الطريقة في العديد من الحالات الفلكية، نظرا لعدم قابليتها وتوافقها مع كتلة المادة الموجودة. وهذا دليل آخر على وجود المادة المظلمة.

تقرؤون أيضاً على زوايا

ما هي المادة المظلمة ؟

افترض جان أورت المادة المظلمة لأول مرة عام 1932  لحساب السرعات المدارية للنجوم في مجرة درب التبانة، وافترضها فريتز زفيكي للحصول على دليل حول “الكتلة المفقودة” للسرعات المدارية للمجرات في عناقيد المجرات.

بينما أشارت بعض الملاحظات إلى وجود المادة المظلمة في الكون، بما في ذلك سرعة دوران المجرات حول نفسها بواسطة فيرا روبين، حيث إن هذه السرعة تفوق الكتلة التي تحتويها المجرات بشكل غير متناسب ما يحتم تطاير النجوم وسط هذه المجرات و تفككها، إلا أن هناك قوة ما تتحكم في بقاء كل العناصر في أماكنها رغم السرعة المفرطة والغير متناسبة مع المعطيات الفلكية و الرياضية.

من جهة أخرى، ليس من المحتم أن تتألف هذه المادة من ذرات، بل من الممكن أن يتألف السواد الأعظم منها من شيء مختلف تمامًا. المادة هي أي شيء يتفاعل مع الجاذبية كما تفعل المادة العادية، فهي تتكتل في صورة مجرات وعناقيد مجَرِّية، على سبيل المثال.

وما مِنْ سببٍ يُحتّم على المادة أن تتألف على الدوام من جسيمات مشحونة، غير أن المادة التي ليس لها أي تفاعلات كهرومغناطيسية ستكون خافيةً عن أنظارنا. إن ما يُطلق عليها “المادة المظلمة” لا تحمل أي شحنة كهرومغناطيسية (أو تحمل قدرًا شديد الضآلة منها لم نستطع رصده إلى الآن). ولم يسبق لأحد رؤية هذه المادة مباشرةً بأم عينه، أو حتى باستخدام أدوات بصرية حساسة. إلا أننا نعتقد أنها موجودة بالفعل بسبب تأثيراتها التجاذبية المتعددة.

 تتضمن تلك التأثيرات أثرها على النجوم في مجرتنا (وهذه النجوم تدور بسرعات أكبر بكثير من أن تستطيع قوة جاذبية المادة العادية أن تكبحها) وعلى حركة المجرات داخل عناقيد المجرية (وهذه الحركة أيضًا أسرع كثيرًا من أن يتم تفسيرها في ضوء المادة التي يمكننا رؤيتها فحسب). 

وتشمل تأثيرات المادة المظلمة أيضًا بصمتها المطبوعة على إشعاع الخلفية الميكروي الكوني المتبقي منذ زمن الانفجار العظيم، وتأثيرها على مسارات المادة المرئية الصادرة عن تمدُّدات المستعرات العظمى، بالإضافة إلى انحناء الضوء المعروف بـ”المفعول العدسي التثاقلي“، علاوةً على ملاحظة الانفصال الحادث بين المادة المرئية والمادة غير المرئية داخل العناقيد المندمجة للمجرات.

أما بخصوص الجوانب النظرية أو التجريبية، تُعَدّ المادة المظلمة هدفًا واعدًا فيما يتعلق بالبحوث؛ فنحن نعرف أنها موجودة، لكننا ما زلنا نجهل ماهيتها على المستوى الجوهري. وسبب جهلنا هذا ربّما يكون واضحًا الآن؛ فالمادة المظلمة لا تتفاعل بالقدر الكافي بحيث نستطيع أن نتبين ذلك، على الأقل حتى الآن. نحن البشر يمكن لنا أن نفعل الكثير جدًّا مادام باستطاعتنا دراسة مختلف الحالات والفرضيات العلمية وكذا الخصائص الفزيائية المختلفة والتي من شأنها إحداث فجوة في الغموض الكائن حول المادة المظلمة .

 لكن لو كان للمادة المظلمة بعض من الخصائص الإضافية المثيرة للاهتمام، فالباحثون متأهّبون للعثور عليها، وفي خضم ذلك سيساعدنا في كشف غموض هذا اللغز البديع على نحوٍ أوفى.

المراجع المعتمدة

موقع ( واي باك ميشن )

موقع (scientific american) 

موقع (curiosity)

للتفاعل مع #تدوينات_العلوم ، أو للتدوين معنا على زوايا .. راسلونا على
https://zawayablog.com/%d8%a3%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d9%85%d8%b9%d9%86%d8%a7/

سهيل المعطاوي

من أعضاء زوايا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *