الزلازل.. بين الميثولوجيا والعلم والقرآن

حول مسببات الهزات الارضية من مختلف الزوايا

الزلازل، إحدى الدلالات المتعلقة بحيوية كوكب الأرض الباطنية والسطحية على حد سواء، حيث تعتبر ظاهرة الزلازل إحدى الظواهر التي سعى البشر من قديم الزمان لإيجاد تفسيرات لها بناءً على خلفياتهم ومعتقداتهم ومذاهبهم الفكرية.

لقد كان لرجال الدين والعلماء والفلاسفة على حد سواء وعلى مر العصور باعٌ طويل في تفسير وتحليل الظواهر الطبيعية وإعطاء الناس أجوبة مقنعة بما يتناسب مع الوقائع والمعطيات. 

ولقد كان للظواهر الجيولوجية عامة والزلازل خاصة ارتباط عميق بمفهوم غضب الآلهة أو الرب أو الله أو كإشارةٍ على تراكم الذنوب أو الحيود عن التعاليم الدينية وثنيةً كانت أم سماوية. ولقد عمل القدماء على تقديم القرابين وتقديس الجبال ونبذ كل ما يخالف اعتقادهم المترسخ بأن الظواهر الطبيعية ماهي إلا عقاب من السماء أو من الآلهة.

في حين ظهرت هناك تفسيرات أخرى تفيد أن حدوث ظاهرة الزلازل ماهي إلا نتيجة حركة الثور الذي يحمل على قَرْنَيْه العالم مما يؤدي إلى حركة حتمية وارتجاجٍ في الأرض في محاولة منهم للخروج بتفسيرات تكاد تكون النواة الأولى لبناء معرفة علمية على منهاج علمي.

أما علميا، فإن الزلازل أو الهَزَّات الأَرْضِيَّة هي ظاهرة طبيعية، وهي عبارة عن اهتزازٍ أو سلسلةٍ من الاهتزازات الارتجاجية المتتالية لسطح الأرض، والتي تنتج عن حركة الصفائح الصخرية في القشرة الأرضية، ويسمى مركز الزلزال ب”البؤرة”، يتبع ذلك بارتدادات تدعى أمواجاً زلزالية، وهذا يعود إلى تكسر الصخور وإزاحتها بسبب تراكم إجهادات داخلية نتيجة لمؤثرات جيولوجية ينجم عنها تحرك الصفائح الأرضية حيث تنشط الزلزالية على مستوى حدود الصفائح الصخرية. وينشأ الزلزال كنتيجة لأنشطة البراكين أو نتيجة لوجود انزلاقات في طبقات القشرة الأرضية.

ولقد عمل العلماء على مدى سنين في محاولة منهم للوصول إلى التنبؤ بالزلازل أو على الأقل معرفة أحد الأسباب المباشرة التي يمكن من خلالها إدراك  أو على الأقل التنبؤ بحدوث كارثة زلزالية، وهذا ما بدا عليه الأمر مؤخرا حيث أعلن مجموعة من العلماء والباحثين توصلهم إلى نتائج تكاد تكون صادمة في إمكانية التنبؤ ولو بشكل ما بحدوث زلازل، حيث كتبت البروفيسور “جيليان فولجر” على مجلة ” the conversation” تساؤلا مع عدة ملاحظات تفيد أن هناك علاقة بين التساقطات المطرية والهزات الأرضية بناء على دراسات قامت بها مع فريقِها من جامعة درهام بإنجلترا، حيث رصدوا هزات أرضية بمنطقة جبل هوسشتاوفن بألمانيا بعد نزول الأمطار سنة 2002 ومناطق موتات وريمنستاندن بسويسرا سنة 2005 ، بينما أكد سيبستيان هينزل وهو عالم جيوجيا بجامعة بوتسدام بألمانيا بمعية فريقه العلمي رصد هزات أرضية بعد سقوط الأمطار بمناطق بسويسرا وألمانيا وفرنسا. 

بينما يعلق شيمون ويدوينسكي من جامعة كاليفورنيا وهو أستاذ وباحث في الجيولوجيا والجيوفيزياء قائلا أن هناك علاقة بين الزلازل والعواصف ومستعرضا مجموعة من البيانات والإحصاءات التي توضح هذه العلاقة: الهزة التي ضربت هايتي بدرجة 7 سنة 2010 جاءت بعد إعصارٍ ضرب المنطقة قبل 18 شهرا من الحادثة، والزلزال الذي ضرب تايوان بقوة 6.9 سنة 2009 جاء بعد سبعة أشهر من إغراق إعصار ماركوت لتايوان بمترين ونصف من الماء لمدة خمسة أيام، بينما زلزال سنة 1999 الذي ضرب تايوان أيضا بدرجة 7.6 جاء بعد ثلاث سنين من إغراق إعصار هارْبْ للبلاد بمترين من الماء.

بينما يرى توماس ادير وهو طالب دكتوراه بجامعة كاليفرونيا أن المياه هي السبب في تزايد الهزات الأرضية في الهيمالايا من خلال تسريعها انزلاق الصفيحة الهندية تحت الصفيحة الاوراسية؛ في حين يفسر البروفسور  جون راندل من جامعة كاليفورنيا أيضا أن سقوط الأمطار يغير من البيئة المحكمة للأرض في هذه المناطق مما يؤدي بالمياه إلى الجريان والتجمع في الشقوق بين الصخور، ما ينتج عنه انهيارات طينية وتغير وضعيات الصخور في باطن الأرض. أيضا يقول البروفيسور جيليان فولجر أن تسرب المياه ببطئ إلى أعماق الأرض  تحت القشرة الأرضية يسبب في ارتفاع الضغط بين الصخور ويجعلها أكثر عرضة للتفتت. 

بينما تكتب مدونة السيسموغرافية التابعة لجامعة كاليفرونية بناء على أبحاث قام بها مختبر بيركلي للزلازل أن هناك زيادة طفيفة في الزلازل تحدث في فصل الصيف وأواخره نتيجة ذوبان الثلوج على قمم جبال سييرا نيفادا، والتي تتسرب ببطئ إلى أعماق القشرة الأرضية؛ في حين كتب البروفيسور ستيف ميلر  من جامعو بون بألمانية أن كميات المياه التي كان يُعتقد أنها قادرة على إحداث الزلازل هي أكبر في الحقيقة مما كنا نظن!! إلا أنه يعلق قائلا أنه يظن أن هذه الظاهرة تحدث فقط في المناطق ذات الطبيعة الجيولوجية الكارستية (الكلسية) والتي تتميز بنفاذية كبيرة للمياه. 

كخلاصة، تلعب الزلازل دورا مهما في حياة كوكب الأرض وجميع المخلوقات، حيث تؤدي الزلازل إلى تشقق الأرض ونضوب الينابيع أو ظهور الينابيع الجديدة أو حدوث ارتفاعات وانخفاضات في القشرة الأرضية وأيضًا حدوث أمواج عالية تحت سطح البحر (تسونامي) كما أنها تؤدي إلى صعود المعادن وتسهيل عمليات استخراج الغاز والنفط وإعادة هيكلة وتنظيم استقرار القشرة الأرضية. 

وهنا نقف على الجانب القرآني في الموضوع حيث يقول تعالى في الآية 39 من سورة فُصِّلَت: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. 

وكما وضح بعض العلماء، هناك علاقة بين نزول المطر وحدوث الهزات الأرضية أو الزلازل كما أنها علاقة مرصودة ومسجلة في سجلات هيئات الطقس وسجلات مراصد الزلازل. ورغم أن الهزات الأرضية والزلازل ترتبط دومًا في أذهاننا بالخراب والدمار وانهيار المباني وموت الأشخاص، إلا أن أغلب الهزات الأرضية تحدث بصورة متكررة وبشدة ضعيفة لا نشعر بها، بل تستشعرها وترصدها مراصد الزلازل، فالهزات الأرضية أو الزلازل هي جزء من دورة حياة كوكب الأرض حيث تدفع العناصر الأساسية كالمعادن والبترول والغاز من باطن الأرض وتوازن توزيع المياه الجوفية، فيعيد كوكب الأرض تدوير نفسه وتقليب تربته باستمرار ليتأقلم مع تغيرات الحياة ومتطلبات الكائنات الحية على سطحه.

مصادر :

  1. موقع ناسيونال جيوجرافيك 
  2. موقع newscientist
  3. مجلة the conversation
  4. موقع  Wikipedia 
  5. موقع berkeley seismology lab 

تقرؤون أيضا ضمن سلسلة #تدوينات_العلوم

سهيل المعطاوي

من أعضاء زوايا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *