وهم الآخر

عش لربك، لنفسك ولأحبابك

“رضى الناس غاية لا تدرك”

لعل هذه العبارة قد طرقت مسامعي مرات عديدة منذ الصغر، لكنني لم أدرك آنذاك أبعادها، ربما لحداثة سني أو لقلة تجاربي واحتكاكي مع الناس. لكنني في الآونة الأخيرة، أيقنت أن السعي لإرضاء الجميع مضيعة للوقت ليس إلا.

فلان سيظن كذا… فلانة لن تحب هذا التصرف… وغيرها من الاعتبارات التي تجعل المرء مسجونا داخل حلقة مفرغة، تجعله يتخبط، يضحي من أجل أناس ربما لا يعيرون لمشاعره أدنى اعتبار، ولا يقدرون مجهوداته لجبر “خاطرهم” المزعوم أبسط تقدير، وينتهي الأمر بنبذه مع أول بادرة تغيير.

مرعبة هي تلك التصورات التي تستولي على من يعيش من أجل الآخرين على حساب كرامته وراحته الشخصية، فذلك يجعله حبيسا لتصوراتهم ويغدو شغله الشاغل إرضاء هذا وذاك، ثم يتحول الأمر لخوف من فقدان من حوله إذا ما أراد التصرف بحرية.

أنا لا أبالغ، فالتفكير بردات فعل الناس وما سيظننونه بك أشبه بالاستعباد، بل هو الاستعباد بعينه، حيث يترك المرء حرية تدبير حياته لأياد غريبة لا تعرف الرحمة، لم ولن تعذرك أو تراعي ظروفك، بل لن تحترم حتى حقك الطبيعي في التصرف الحر، والويل، الويل لك إن تجرأت يوما ما وفكرت في استلام زمام الأمور والتحرر من رقة تلك الأيدي القاسية الأنانية.

ها أنت ذا قد استوعبت أخيرا مقولة سارتر “الجحيم هو الآخرون”. تعبت من هذا العبء الذي سيطر على أيامك وأرق لياليك، وقررت أخيرا أن تخرج عن صمتك وأن تكسر قيدك. عليك أن تعرف أولا أن الأمر لن يروق البتة للجميع، فقد عودتهم على تصرفاتك المسايرة دوما لهم، وتحولك المفاجئ لن يمر مرور الكرام دون ردات فعل عنيفة. سيرمقونك بأقسى نظراتهم و يبصقون عليك أحكامهم الجاهزة؛ حينئذ، ليس عليك إلا أن تتسلح بالشجاعة والصبر وأن تمضي في طريقك قدما دون التفات.

لكن أبشر، فالآن فقط ستبدأ حياتك الحقيقية. سيتبدى أن رؤيتك الضبابية للحياة قد اتضحت بعدما كانت تلك الاعتبارات الوهمية تحجب عنك زرقة السماء.

صدقني، الأمر يستحق التضحية. سينقشع ضباب وهم الآخرين. قد يكلفك ذلك فقدان أقرب أقرانك ومن كنت تحسبهم أصحابا لك، لكنك ستجمع شتات نفسك وتربح حريتك في نهاية المطاف. ستغدو حرا طليقا تعيش لربك ولأحبائك ولنفسك. وتلك سعادة تضاهي الدنيا بما فيها.

لقد علمتني تجاربي في الحياة، رغم بساطتها وقلتها، ألا أقيم اعتبارا إلا لخالقي، وأن أعيش وفق أخلاقي وتربية والدي لي، وإني لشاكرة لهم حسن صنيعهم.

إسراء مستضريف

طالبة صحافية بالمعهد العالي للاعلام و الاتصال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *