رهاب الكتابة.. حين يرغب قلبك ويأبى قلمك أن يُرفع

عن "فوبيا" القلم والورقة..

‏ لطالَما مجّدتُ القراءة، أحببتُ الكتب ووجدت في كلماتها وبين صفحاتها ملجأ آمنا لي ألوذ إليه فارّةً من واقعي لعلي أجد ما لم أتمكن منه مِن حولي.
‏قدّرتُ القراءة وبتقديري لها لم أشَأ إلّا أن أمجّد الكتابة فكنت دوما ما أجدني منزوية أمام أوراقي البيضاء محاوِلَةً التدوين؛ دعوني أقول إنّ اللون الأبيض كان يرهبُني فكنت أودّ كتابة أي شيء. دوّنتُ الكثير مما كان يجب وممّا لم يكن عليّ أن أدونه. لا أتذكّر يوما أني كتمتُ القليل فقد كانت أسراري بيد قلمي يبوح بها كل ليلة حين أبقى وجها لوجه أمام أوراقي. لأني كنت أجد في إمساك القلم وكتابة ما يجول بخاطري متعة أعجز عن وصفها، لم أكترث يوما لجودة ما أكتب، باختصار كنت في حاجة لفعل الكتابة فمارَسْتُه وكفى.

في غضون سنة حالَ دوني والكتابةَ خيْطٌ رفيع لم أستطع التخلص منه. يقال إن القارىء الجيد لا يجد صعوبة في الكتابة، فما أن يوجّه حبره إلى أوراقه حتي تتدفق الكلمات كالسيل بسبب التراكمات التي خلفتها قراءاته، لكني واجهت رهاب الكتابة بالرغم من قراءاتي التي ناذرا ما تنقطع.
‏ لم أستطع كشف أسباب رهابي هذا، لكني تكهنت أن العجز الذي أعيشه دون أن أتعايش معه، هذا الخوف الذي يكاد يمزقني دون أن أبوح بكلمة، ليس بمنفصل عن الكتاب والروائيين الذين قرأت كتاباتهم بشغف وكررت القراءة مرات عدة بنفس شغف القراءة الأولى.
‏فرانز كافكا هذا الملهم السوداوي الذي أعشق وميلان كونديرا بمواقعيته المؤلمة ومحمود درويش بشعره الذي يغزو الروح وآخرون من من لم يغادروني حتى بعد طي الصفحة الأخيرة من إبداعاتهم. قامات كبرى تفوقت في جعلنا نتوه بين كلماتها حتي رسخ في أذهاننا بشكل لاواعي أن كتاباتنا لن تروق لأعمالهم لغة، أسلوبا وتنسيقا مبهرا يخطف الروح.

‏حين آمَنتُ بهذا، لم تعد الكتابة بالنسبة لي سوى فعلا شاقّا ونشاطاً مؤلما؛ بل حربا سأكون الخاسر فيها دون شك. حينها كل محاولاتي لإمساك القلم بائت بالفشل وأصبحت أكتفي بالقراءة فارة من حقيقة عجزي هاته، الحقيقة التي كادت أن تمزقني دون أن أصدها ودون أن أقوم بأي رد فعل كان.
‏تحضرني الآن مقولة الروائي “وليام كلارك ستايرن” حين قال: متعة الكتابة تنتفي بألم البدء والاستعداد للكتابة كل يوم.
‏لا يفوتُني أن أنسى ما قالته الكاتبة “رضوى عاشور” فيما معناه أنه بعد قرائتها لأعمال أنطوني تشيخوف افتقدَتِ الرغبة الكاملة في الكتابة.
‏هم أدباء ومفكرون أخافهم فعل الكتابة قبل أن يتغلبوا على ذلك، مخلّفينَ زاداً أدبيا وكنزا فكريا مميّزاً يأخذ به الجميع كنموذج للإبداع.

‏بدوري لا أصبو إلى أن أصبح كاتبة مرموقة يقرأ لها الجميع، كاتبة يضرب بها مثالٌ على سلاسة الكلمة ودقة التعبير، لكنني أطمح إلى التغلب على تلك القوة بداخلي، القوة التي تقمع فعل الكتابة لدي، لا لشيء سوى لأني فتاة تود التعبير عن نفسها، عن ما يجول بخاطرها… ربما عن السلام الذي يعرفه كيانها أو عن الحرب التي تعرفها روحها من حين لآخر. ربّما لا لشيء سوى لأن الكتابة فعل خلاص أجمع به شتاتي قبل أن يكون نشاطا يشعرني بلذة لم أعلم سرها لحد اللحظة.

مينة الخضاري

طالبة إعلام وتواصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *