في الحداثة العربية…

نقاش فكري عن "أزمة التقليد"

جالسٌ.. في أقصى الوسط. على يَميني يوجد كأس ماء، هاتف ، بطاقة تعبئة، حاسوب، هذا الذي وهبتني لَوْحَتُه الحروف، كتابَـيْن: “روح الحداثة“، هكذا عنون ذ. طه عبد الرحمان كتابه هذا، وما تحت العنوان كلام آخر. لقد كتب: “المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية”. هكذا عنوَنَ الكتاب الأول وقد كُتِب العنوان العريض بخط أحمر كبير. بينما الثاني، فصغير خطه وأسود لونه.

كتابٌ آخر عنوَنه حميد سمير: “نموذج الحداثة وما بعدها في الفكر العربي الحديث”، وهي دراسة نقدية تتأرجح صفحاتها بين القديم والحديث بغرابةٍ تُثير الدهشة.. وحذائي الأصفر هنالك: الأول في حالة عادية والآخر منبطح، كأنه حذاء جندي فارَق الحياة… و الباب أمامي مباشرة، مغلق، والستار مُسْدَلٌ كذلك، أبيض طويل، لا تتماشى هيئته وهيئة الباب البُنّي الخشبي.
وعلى اليمين مباشرة، مذياع “كلاسيكي” منفصلةٌ أجزاؤه، أسود اللون، لم تعد له قيمة، مغطّى، و كأنه لا يجب أن يظهر. وما فوق المذياع تلفاز وما فوق التلفاز سقف. و على اليسار تَحْتَمِي بعض الكؤوس و الصحون والوثائق المهمة، وراء الزجاج الذي أغلقت نوافذه بإحكام. إنها أزمة الحداثة العربية، أشعر بها، وألمسها في كل وقتٍ وحيـن، وفي كل شيء.
نحن أصبحنا نرمي بالقديم جانباً أو في سلة المُهملات، ونخصّص لما أنتجَتْه المصانع الغربية أحسن مكان بـ”الصالون”؛ أو كما قال “شكري عياد”. نحن لم نستطع للتحديث سبيلا من دون تبني النموذج الغربي – أقصدُ الأوروبي والأمريكي تحديداً.

بينما كان يجدُر بنا منذ البداية الوعي بالحرية. نحن لم نفهم مفهوم الحرية إلا بطريقة أحادية المعنى، رِجْعِيّة البُعد. لقد أصبح العرب يطالبون بالحرية كلما أتيحت لهم الفرصة، فالتيارات النسوية –على سبيل المثال- المتأثرة كثيرا بالتيارات الغربية، التي -هي الأخرى أصبحت تخضع للنقد القوي من طرف المفكرين الغربيّين المعاصرين- أكلَ عليها الدّهرُ وشَرِب.
و”قد ارتفعت دعوات وأصوات من داخل الحضارة الغربية وهم أهلها والعارفون بأسرارها وخباياها، تدعو إلى تصفية النموذج الغربي من سيادة العقل والعلم الذي تحكمه قوانين المادة والتجريب الأمبريقي، ومن سيادة القيم المادية المسيطِرة عليه، قيم السوق ورأس المال… و التشرذم والتراجع عن القيم الروحية مما أوْصَل الحضارة الغربية إلى أزمة (…) أزمة ذاتية شعورية” ، يقول حميد سمير.

وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على التفسير الأحادي الذي نهجه الغرب لفهم مفهوم الحرية. ولعل هذا التفسير مبني أساسا على التاريخ التْيولوجي -حين كانت الكنيسة و رجال الدين يسيئون، بحجة الدين، إلى المواطنين- لأوربا على سبيل المثال. وبالتالي، فلا يمكن أن يكون وضع ما بعد الكنيسة قطيعة زمنية مع الماضي، أي مع الكنيسة نفسها. وإلّا ففي ذلك دلالة وتعبير عن وضع حد للتأثير السلبي للماضي على الحاضر، فيسهل بذلك التقليد، أي منع العقل من العمل وفقا لمنطق مغاير لما يعتبره العقل الآخر غير عادي و خارق للمألوف.


لِمَ نخضَع –و باستمرار- لِمَا هو لا يخصّنا تاريخيا وثقافيا؟ هذا هو التساؤل الذي- يصاغ بطرق لغوية مختلفة وتتميز كل طريقة بلمسة فلسفية أو جمالية تضفي عليها نوعا من “الجديد”- يطرحه المفكرون العرب منذ الأزل.

الغريب في الأمر، هو أن هذه الطرق تتبنى منهجيات لا تمتُّ بصلةٍ لنطاقها، وهي بالتالي تبدي اهتمامها بالجديد أو لنقل “الحديث”، وهذا في حد ذاته خضوع لقوى خارجية تعدّ “جديدا” في سياقات أخرى، مجالات أخرى. “كالمناهج البنيوية و ما بعد البنيوية”؛ التي مر عليها الزمن في الغرب ولا يزال المثقفون العرب يستقبلونها بحفاوة كما جاء على لسان شكري عياد.
لماذا هذا الهوس بالتقليد؟ إلى متى ستظل العقلية العربية “نقلية” يغيب فيها الإبداع، كما قال حليم بركات في إحدى “المؤتمرات الفلسفية” ؟

الآراء والمواقف الواردة في التدوينة لا تُلزم بالضرورة مدونة زوايا وفريقها، بل تعني صاحبها فقط.. وبه وجب الإعــلام والسّــلام!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *