فتاة من طراز خاص جدا

فتاة مثالية، من طينة خالصة

أثار انتباهي ووقفت مندهشة بينما كنت أتتبع عن بعد تصرفات فتاة ليست ككل الفتيات الأخريات فقد كانت مميزة جدا؛ لن أبالغ إن وصفتها بأنها ملاك على هيأة إنسان، وأن أكثر ما جذبني في شخصيتها معاملاتها مع الغير كيفما كانوا، شبابا، كبارا، أطفالا او عجائز، تتعامل معهم جميعا بنفس الطريقة تقريبا، كان لها عقل مرن يتكيف مع جميع العقول التي تجالسها مما أضفى عليها براءة وجمالا خاصا لا تلمسه إلا في أصحاب المعدن الأصيل أشباه روحها النقية.
إنها فتاة في مقتبل العمر -في أوائل العشرينيات من عمرها- لكن قد تبدو أحيانا أكبر مما هي عليه نتيجة ما واجهته من صعوبات لا يمكن عدها ولا إحصاؤها؛ فتاة سقتها الحياة جميع ألوان الألم والوجع والسقم وهلم جرا … لقد عاشت من الكرب والمشاكل ما لايتسع المقال لذكره لكن كما يقال في المثل الشائع “رب ضارة نافعة”، فإن كل المحطات والمطبات الحياتية التي أذاقتها العلقم وكل ماهو مرير جعلت منها فتاة ناضجة وقوية امتلكت من الحكمة الشيء الكثير، وكما هو معروف لا يختلف اثنان أن الحكمة وليدة التجارب العصيبة، وهذا ما سيجعل منها فيما بعد ذات شخصية مثقفة وقوية قادرة على تخطي جميع العقبات التي قد تعترض طريقها بالإضافة إلى كونها واعية بما لها وماعليها من حقوق وواجبات تجاه الغير. علاوة على ذلك، تميزت بمبادئ وأخلاق عالية جعلت كل من يشاهدها ولو عن بعد يحبها ويدعو لمن رباها على هذا النحو.

شخصيا، كنت أعجب بها كثيرا فقد شدتني عباراتها المفعمة بالحيوية والأمل والتفاؤل والإيجابية، لم أكن أستطيع مفارقتها إلا بصعوبة شديدة، كان الزمن يتوقف برفقتها ولا أشعر بنفسي في حضرتها وكأني مخدرة من كثرة الانسجام مع كلماتها الرقيقة وجمالها الأخاذ الذي يشع أملا وتفاؤلا بغد أفضل؛ ثم لا يمكن التغاضي عن بسمتها التي لم تفارق وجنتيها يوما مهما عصفت بها الأحداث، تعطي لأبعد الحدود، كريمة، بشوشة، طيبة جمعت بين كل ألوان وأشكال الجمال وصفاء الروح، لو كان الكمال من صفات الإنسان لبصمتُ بالعشرة أنها إنسان كامل بكل المقاييس.

إن أكثر ما حيرني في شخصيتها هي أنها تهتم بالجميع ولو على حساب راحتها ووقتها الخاص فقد كانت تعطي منه -من وقتها الثمين- الشيء الكثير؛ فتجدها تجبر الخواطر وتشفي جروح المكروبين، وتمد يدها لليائسين وتنقذ البائسين تزرع فيهم الأمل وتجدد أرواحهم وتجعلهم يعيشون على التجديد والسلام وكل ماهو إيجابي وجميل في حياتهم، وتمسح مصطلح الفشل من قواميسهم كما تحظر كل الكلمات الدالة على اليأس والحزن والعجز… توقظهم من سباتهم العميق وتحررهم من عبودية السلبية وتفعل ذلك بكل ما أوتيت من قوة وتستمر عليه حتى آخر رمق لا تمل أبدا، بل وتقوم به وهي كلها فرح وسعادة وابتهاج يغمر قلبها لأنها تساهم في رأيها الخاص في التغيير ولو بجزء ضئيل، ووضع بصمتها في هذا الكون لأنها عازمة أن تترك أثرا في هذا العالم حتى لو لم يكن عميقا، كما أنه لا يمكن إنكار أنها تهوى مساعدة الغير لدافع إنساني وكذا لوازعها الديني القوي استحضارا لقوله صلى الله عليه وسلم “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”؛ هي مؤمنة كل الإيمان أن البارئ تعالى سيسخر لها كل ما في الارض حتى يعود لها معروفها، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان.
لقد أضحت تحاول تثبيت أنفس كل من زعزعتهم مطبات الحياة ومنعرجاتها الخطيرة ويعودون للتنفس من جديد وكأنهم ولدوا للتو، ثم ينهضون مشمرين على سواعدهم وكلهم همة ونشاط واضعين لافتة نصب أعينهم مكتوب عليها بوضوح “لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة”؛ معادلة واضحة معالمها إن وجدت الحياة يختفي اليأس والعكس صحيح إن حضر اليأس فلاحياة أبدا .. كما لم يكن يخفى عنها إيمانها القوي بالقضاء والقدر مما أضفى على شخصها جمالا خاصا وصبغة لا تجدها إلا في ذوي الأرواح النفيسة أمثالها، فقد كان شعارها في الحياة أن لكل مجتهد نصيب وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا مصداقا لقوله تعالى {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا}. باتت هذه الآية هي مبدأها في الحياة وبالتالي أضحت تجتهد في كل عمل أسند إليها لإيمانها الشديد أن ربها جل في علاه سينصفها ويجازيها على قدر كدها وجدها، ومن ثم كانت توصي بالعمل مهما كانت الظروف وكيفما أضحى الواقع بئيسا ففي الأخير كل سيوفى أجره بقدر اجتهاده وعمله ولو بعد حين.

الله سبحانه وتعالى عنده كل الخير والعوض، هكذا كانت تصابر وتربط على قلب من لم يصل إلى مناه ولم يبلغ مبتغاه وأخفق في تحقيق متمنياته.. فعلا إنها فتاة من طراز خاص من طينة نادرة وما عساي أن أقول في الختام سوى كثر الله من أمثالها.

Exit mobile version