من المسؤول؟

عن مسؤولية المواطن في تحسين الخدمات الصحية

سيادة المواطن المحتَـرَم،

أعلم أنك تكِنُّ الكثير من الحقد والضغينة للمستشفيات المغربية الحكومية ولديك آلاف الشكاوى بخصوص رداءة وانحطاط مستوى خدماتها وجودة تطبيبها، وأعلم يقيناً ما تعانيه فخامتُك من سوء الرعاية الصحية داخل جدران مستشفى عمومي وكمية المصاريف التي تتكبّدها لإجراء تحاليلَ طبية مدفوعةِ الرّسوم في الوقت الذي كان من المفترض أن تُقدَّم لك مجانا على طبق من ذهب… أعلمُ عِلماً تاماً كمية المشاكل والرشاوي التي عليك دفعها منذ دخول المشفى حتى لحظة خروجك منه..

فخامة المواطن المحترم، 

أؤيدك في كل ما تشعر به وكل ما يجول في خاطرك، وحقا اتهاماتك صحيحة وتملك ما يكفي من المبررات لتُدين بها رقبة الطبيب والممرض والإدارة، لكن، هل تريد أن ترى مستشفى بكفاءات طبية وفريق متخصص؟ تريد أن تحصل على رعاية صحية شاملة؟ تريد مستشفى عموميا أفضلَ حالا من هذا؟ هذا ما تريد ألَيْس كذلك؟ نعم أنت وأنا وهُم وجميعنا نريد ذلك، لكن إن كنت تريد حقا ذلك فَمُدَّ لي يد العون لي بدل أن توكلَ لي الضربات من خلفي، في الوقت الذي أكِدُّ أنا فيه جاهدة لأحصل لك على إبرة من Lovenox (مثال) بعد صراع مع مسؤول قسم الإنعاش (مثال)؛ وفي الوقت الذي تحضر فيه شخصا غاليا على قلبك إلى المستشفى لا داعي لأن تجلب معك جيران الحي وأقاربك وزملاءك، يكفي أن تأتي وحدك بجانب المريض فوجودهم لن يزيد سوى الاكتظاظ وكمية كبيرة من “الفهامات الخاوية” التي تنهال على رأسي كالجبل…

عندما تحس زوجتك بألم المخاض، لاداعي لإحضارها مرفقة بسيل من الأقارب ليقفوا عند مصلحة التوليد بانتظار خبر الولادة ويباركوا لك!! تعال أنت وزوجتك وأمك فقط، وانتظر ازدياد وليّ العهد (حفظه الله) ثم قُم بتنظيم عرسٍ في الحي… عندما يدخل جارك ذو الـتسعين عاما إلى قاعة العمليات أو الإنعاش وتسمع أن وضعه خطير، قم بزيارة أولاده في البيت واسألهم إذا ما كانوا بحاجة للمساعدة فأنت جاهز، هذا أحسن من أن تزور المريض بالمستشفى ثم تتشاجر مع قوات الشرطة وحراس الأمن الواقفين عند الباب والذي لن يسمحوا لك بالدخول لأن الوقت ليس وقت الزيارة،ثم تصرخ فيه مُدَّعيا عليه أنه طلب منك رشوى مقابل دخولك، ثم تكسر باب المصلحة لأن الممرض لم يتركك ترى المريض وتدخل في عراك دَامٍ مع الطبيب، وحتى إن رأيته فهو أصلا في غيبوبة ولن يعرف أنك زرته، يعني، أيها المواطن المحترم، لا داعي لأن تفتعل المشاكل من اللاشيء…

أما إذا كنت مصابا بالزكام وتحس أن جسمك مكسر والساعة تشير للعاشرة ليلا، فخذ مُهدّئا واطلب من حبيبة الماما أن تعد لك وصفة أعشاب ساخنة، وفي الصباح اذهب إلى أقرب مركز صحي، لاداعي لأن تزور وحدات العناية الاستعجالية التي غالبا ما ترسخت لديك فكرة أنك إذا دخلت المستعجلات يجب أن تصيح وتشتم وتكسر وتضرب حتى يأتوا إليك ويقدموا الرعاية اللازمة لحضرتك؛ لا أنت على خطأ، لأن المريض الهادىء والمحترم سيقوم الطاقم الطبي بمعالجته خجلا من كثرة الاحترام الصادر منه وسيضعونه في أعينهم ..

صديقي المواطن،

الطبيب أو الممرض، عندما يشتغل وفوق رأسه ثلاثون شخصا يوجهون له الكلام في نفس اللحظة وكلهم في عجلة من أمرهم، في هذا الوضع لا يستطيع الطبيب التركيز ولن يستطيع تمييز المريض من المرافق من البائع المتجول، وهنا تزيد نسبة الخطأ ومن يتحمل تبعاته هو أنت عزيزي المواطن الضعيف الذي دخلت تصرخ من ذلك الباب وستخرج منه واضعا كل أموالك نتيجة خطأ كنت أنت السبب الأول فيه … 

مواطني المريض، 

عاملة النظافة المسكينة لا تملك الوقت الكافي أن تمسح الأرض كل خمس دقائق، لأنه في تلك الدقائق الخمس مر عشْر مرضى وثلاثون مرافقا، منهم أطفال صغار يحملون في أياديهم حلويات وشوكولاتة وعصيرا ليطمئنوا على جدتهم الحبيبة التي ترقد في المشفى منذ أسبوع، لهذا لن ترى أرضية المستشفيات العمومية تلمع كلمعان الألماس، وأرجو أن تأخذ هذا الوضع الشائك على محمل الجد فأنا حقا اكتفيت من اتهاماتك الباطلة…

وأخيرا أيها المواطن، أُلِحُّ عليك وبشدة أن تحتفظ بمساعداتك المادية أو المعرفية التي تعرضها على الممرضين وأعوان الأمن!! اُتركها لأولادك ولأهلك فهم أولى بها، لأنك وبتصرفك هذا ستجعلهم يتمادون مع الآخرين، فأنت فخامتك من صنعت هذه التجاوزات التي لا تعجبك اليوم … ومن طالبة تمريض نصيحة: خفف زيارتك لمريضك خاصة في مصلحة المستعجلات، اترك الطاقم الطبي يُخرِج مالديه ويوفي بقسمه، وثق بي، سيتحسن مريضك في أسرع وقت (رد علينا إذ لم يكن ذلك) …

أعلم أنني أطَلْتُ الحديث، لكن هذا مجرّد غيْضٍ منْ فيْض، فإذا كنت تريد رؤية المستشفيات العمومية مستشفياتٍ مثالية فساعدنا بقدر ما تستطيع عليه، ثم تعالَ وسترى أن هناك أمورا نحن (أناوأنت) سنستطيع تغييرها دون انتظار الدولة… ورجاءً، كفى من اتهام الممرضات أمثالي بالتقصير والإهمال، ففي النهاية نحن مجرد كبش فداء داخل هذه المنظومة الصحية المهترئة كما هو الحال بالنسبة لك.

حفصة اللمطي – طالبة مغربية، تخصص التمريض

الآراء والمواقف الواردة في التدوينات لا تلزم، بالضرورة، فريق مدونة زوايا، بل تعني صاحبها فقط .. وبه وجبَ الإعلام والسّــلام!

للتدوين معنا .. تفضّلوا بإنشاء حساب على موقعنا من خلال رابط أكتب معنا

مدونة زوايا

زوايا فريق شاب مؤلف من 10 شباب عرب مختلفي التخصصات والاهتمامات و غزيري الأفكار يجمعهم حب التدوين والرغبة في إثراء الويب العربي بمحتوى مفيد فريق زوايا ذو أفكار خلاقة وعزيمة متأهبة يعدكم بمحتوى مدوناتيٍّ أقل ما يقال عنه أنه استثنائي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *