الأخ والرفيقة .. الحوار العقيم! – قصة قصيرة | الجزء الأول

من وحي واقع الجامعات المغربية.. قصة قصيــرة عن نقاشٍ مُسْتفِيـض

في جو ماطرٍ يكاد لا ينتهي نتيجة سُحب ملبدة وضبابية سوداء، مصحوبة بهبوب رياح تُرى من سماع صوتها وتسمع من بقايا مخلفات آثارها، وأمام هذا الجو العاصف والمعكَّر، والذي يفرض بمقتضاه فرض حظر التجوال بقوة الطبيعة، وغير بعيد عن سمات وخصوصية هذا الجو، يثير ناظرك في مكان ما أحد التكتلات البشرية مجتمعة متلاحمَةً متزاحمة تكاد تخلق جوا مغايرا ومنافسا بدرجات عن الضجيج الطبيعي، مما يصحابه من شحنات صوتية مختلفة الأحبال تتعالى بين الحين والآخر، خالقة بذلك موجات كهرومغناطيسية قابلة للانفجار في أية لحظة!! 

وماكان ذلك إلا مناظرة بطعم خاص عنوانها صراع فكري ذو جذور تاريخية، مميزاتها تتدحرج بين الثابت والمتغير، أحد أبطالها ينتمي لتاء التأنيث التي تحارب النظرة الدونية التي تعتبرها دائما مكسورة؛ ظاهرها يجعل من كل عين إذا ما أبصرتها تطيل النظر، كيف لا ورفيقتنا تعجز حتى حروفي الأبجدية أن تتودد لجمالها في هذا المقام، فضلا أني أخشى من القارئ أن يتهمني بالتحرش اللفظي، أما باطنُها سنعرفه لا محالة. 

أما بطلنا الثاني، صاحب القِوامة كعنوان، ملتحي الوجه، إذا ما رأيته تشم فيه روح التقاليد و الأعراف نتيجة الهندام الطويل التقليدي، أما وسامته تكاد لا تُرى نتيجة وشاحه للكوفة المصحوبة بقبعته، أكتفي بهذا حتى لا أجعل القارئ يفكر أني أمارس الديماغوجية لنصرة الأخ الفاضل، أما باطنه هو الآخر سَنَعِيه في مضامين الحوار في أي حال.

ومن خلال هذا “العرس الفكري” الذي لا أعرف كيف ستكون مُخرجاته، كونه عرساً ليس كباقي الأعراس فهو مفعم ويحوي ما يحويه من المفاهيم ذات الوزن الثقيل من قبيل الإيديولوجية والبراغماتية والفكر والثقافة والتراث والهوية والخطاب الديني.. والتي تجعل البطلَيْن المحترَمَيْن يدافعان كُلٌّ عن أطروحته يُزكّيها وينصرها ويُعليها، مقابل دحض ومجابهة ومواجهة ونقد الأطروحة المغايرة، وهذا أساس أي حوار مبدئي بينهما قبل الخوض فيه، نتيجة الأفكار الجاهزة وأحكام القيمة الواقفة، وهذا استئصال فكري وجذري لمنطق التوافقات الفكرية إذا ما صح التعبير، وبالتالي، ووفق هذا المنطلق، فأي حوار تكون مخرجاته بين العمق والعقم، يمكن عتباره كجنين مجهض في أبعد التقديرات حتى لا نُتَّهم بالعدمية.

فجأة زادت وتيرة المشاحنات بين بطلينا نظرا لمعرفة بعضهما البعض في إحدى المناسبات السابقة التي لا داعي لذكرها حماية لسر الكاتب، وما كان الفتيل الذي أشعلهما – قطرة ماء التي أفاضت الكأس- سوى طبيعة المكان الذي كان “مقهىً ثقافيا”، بعدما قام صاحبه بتغيير إحدى القنوات، بطلب من الأخ ليتابع أحد برامجه في قناة مغايرة في الخط التحريري و لارتباطه الإيديولوجي المحافظ؛ ما إن غير صاحب المقهى القناة حتى استشاطت الرفيقة غضبا ولفتت بذلك انتباه كل الحاضرين ماعدا الكاتب، بعدما كانت تتابع بتركيز وإنصات أحد برامجها بقناة تحسب وتعرف أنها تتبنى إيديولوجية الحداثة والتنوير.

بدأت الشحنات تتزايد بين الأخ والرفيقة، كلٌّ يدافع عن برنامجه الخاص بطريقة هستيرية شبيهة بطفلين كل يدافع عن كوكبه الخاص وأفضليته عن غيره بـ”قناة سبيستون”، فجأة تدَخّل الكاتب وما كان عليه إلا أن يوجه كلامه خفية لصاحب المقهى بالقول أطفئ التلفاز من أساسه، فسيبدأ برنامج على الهواء مباشرة، وما كان عليه أن يصغي ويتبنى كلام الكاتب الأحادي وغير الديمقراطي، أم أن الأمر كان يصب في صالح صاحب المقهى، لا سيما وأنه كان معروفا ببخله رغم أنه صاحب الفضاء والشخص المتحكم فيه باعتباره صاحب السلطة والمال.

واشتعل بذلك الصراع واحتدم بين الرفيقة والأخ، وكانت أرضية المرافعة أن يرى كل منهما الآخر متهما، أما نحن قضاة المقهى جالسين وواقفين، نحسن الإصغاء ومآلات الدفعات، فكلهم أبرياء في نظرنا حتى آخر أطوار المحاكمة، فحينها سيكون منطوق الحكم ابتدائياً.

مقتطف

أخذت الرفيقة الكلمة بقوة وليس بحكم طبيعة جنسها أو احتراما لها، موجهة أصابع الاتهام بكلامها صوب الأخ بالقول : ما معنى أن يكون المرء يا سادة غير محترمٍ للرأي المخالف؟! معناه أن هؤلاء المناصرين لهاته الأيديولوجية لا يؤمنون بحرية التعبير من أساسها، سيما وإن كانت تقض مضجعهم من قبيل مواضيع الطابوهات المسكوت عنها، لطالما اعتبرها هذا “التيار الإخونجي” خطوطا حمراء، ولكوني أؤمن أن كل ألوان الطيف يمكن أن ترسم لنا لوحة فنية معبرة، فلم ولن أستغني عن استعمال اللون الأحمر بكل حرية؛ القول الصائب يا سادة أن أمثال هؤلاء يجهضون حق الإختلاف، فالفكرة السائدة في أدبياتهم الرجعية السلفية هي فكرة الوحدة والتماثل ومنطق الشيخ والمريد.

وعندما شعرَتْ رفيقتُنا “الحسناء” بسيطرتها على مُداخلتها، أردفت بالقول: “عندما نفكر بأسلوب ما ونعبر عنه، فمن غير المعقول أن لا يتم الإنصات له، ففي آخر المطاف هو صوت، ولد من أحشائنا وترعرع، صوت يُراد منه الإصغاء لا الإقصاء، فكيف يعقل أن يُأخد مني حقُّ الكلمة في زمن أصبح فيه إبداء الآراء فتنة ونشازا، ما هكذا تتطور الحضارات والأمم والشعوب، أفَلَا تقولون في الاختلاف رحمة أم فقط معي يكون الاختلاف نقمة؛ حَرِيٌّ بنا أن نعي قضية في غاية الأهمية عندما نرافع في أحقية التعبير في كل تجلياته نحن نعي ماذا نقول، ولن أسرد لك أيها “الأخ” الحماية القانونية بحرية الرأي والتعبير لا على مستوى القانون الدولي لحقوق الإنسان ولا حتى في التشريعات الوطنية، وإن كانت الأخيرة تعتريها نواقص أفرغَت حمولة الحق بدوافع الخطوط الحمراء كما تتغنون بها بمرجعيتكم”.

وأؤكد لكل تيار يبتغى مبدأ الإقصاء وإبادة الفكر المغاير المختلف وإخصاءه، وتدجين ما هو مناقض أو مخالف أو معارض، أقول له ما قاله المرحوم علال الفاسي في مقاصد الشريعة : حرية الفكر، للناس جميعا الحق في أن يفكروا إزاء كل مسألة على الطريقة التي يختارونها وبالفكر الذي يريدونه، وليس لأحد أن يُكرِههم على اعتقاد مذهب فلسفي أو سياسي إذا كانوا لا يختارونه لأنفسهم، وكل من فعل ذلك فقد أخَّل بأعظم المقدسات. 

بمجرد سماع الأخ مصطلح المقدسات تدَخَّل بدون شعور وأخذ حق الكلمة هو الآخر بالقوة، وقال: يا أختي كلامك ظاهره ليس كباطنه، تدَّعين وتترافعين عن حق أنت في الأصل انتهكْتِه.. فقاطعَتْهُ كقطع الحبل السري من المولود حتى لا يبقى متناثرا؛ قائلة: اِسْحَب كلمة أختي، لن تمرر علي ديماغوجِيَّتك وتداعب مشاعري برابط الأخوة والنزعة التديُّنية، وأنت تعي أنها مفعمة بحمولتها الإيديولوجية المتخلفة التي لا تشرفني. فما كان للأخ إلا أن يتبنى منطق إنا عكسنا بقوله: لم ولن أسحبها بل أكررها، أنت أختي في الإسلام هل ستنكرين ذلك؟ وكان دافع سؤاله ليحرجها ويقحمها، فتبسمت رفيقتنا ساخرة: أتَوَدُّ بقولك هذا أن تُقحمني بنقاش آخر مبررا ذلك بالنزعة الدينية؟ نعم أنا مسلمة، ولكن مهلا أي إسلام تقصد؛ إسلام السعودية أم إسلام باكستان أم إسلام ايران!! شهادة حق للكاتب، فعلا اختنق أخونا، وعلق عليها بالقول: ذاك نقاش آخَر فالإسلام واحد ولكن الاختلاف هنا فيه موضوع آخر، واتّسعت الابتسامة الصفراء لرفيقتنا لتسجيلها هدفا وإن كان بدافعِ التسلل.

إلى أيّ اتجاه ستيطوّر الحوار بيْن الطَّرَفــيْن؟ .. الجزء الثــاني يحمل لكم الإجابة!

للتدوين والنشر معنا على مدونة زوايا ؛ تفضّلوا بإدخال تدويناتكم وإرسالها عبر الرابط التالي بعد إنشاء حساب خاص بكم.

Exit mobile version