تدوينة متصدرة

في زمن الكورونا.. المغرب أوعى الشعوب وأفطن الحكومات

إجراءات واحتياطات استباقية جعلت البلد يتبوّأ مَصافَّ الدول الكبرى

في ظل تحديات وتطورات فيروس كورونا المستجد، كل ما نسمع عنه على المستوى الأمني والاقتصادي والاجتماعي من إجراءات وقرارات ومبادرات يُبشر بالخير، محنة وسيكون للمغاربة كلمتهم الخاصة بشأنها، ولعل لي يقينا أن هذه الأيام العصيبة ستمر بأمان وبأقل الخسائر وستصبح ذكرى نحكيها لأولادنا أو أحفادنا بعد خمسين عاما. فاستبشروا! أنا متفائلة لأني أؤمن أن الطاقة الايجابية تجلُب طاقة تشبهها، ومبادرة طيبة تستحضِرُ بادرة خير مثلها، وهكذا دواليك تُشيَّدُ جسور الخير والتكافل والايجابية.

اجتماعيا، كلنا فخورون بـ”تمَغْربيت ديانا”، شعب الإخاء والتضامن، سبّاق للخير ومثال يقتدى بوعيه على المستويين القاري والعربي؛ إذ رأينا كيف أن مجموعات فيسبوكية في مصر والجزائر تحكي عن تجربة المغاربة في الحملات التطوعية وتجاوبنا الإيجابي والتدريجي إزاء قرار المكوث في المنازل والالتزام بالإجراءات الوقائية وعدم النزول إلا للضرورة القصوى.

وإن كان هذا لا يعني أن كافة أطياف الشعب على هذا المنوال – فهذا أمر مستحيل –  إلا أن هذا الأمر لا يقلل من قيمة ما حققناه لحدود الساعة من انضباط واحتراز؛ ففي ظرف 5 أيام فقط، استجاب المغاربة لنداء بعضهم البعض بأخذ الحيطة وتجنب سيناريوهات دول أخرى عديدة أبرزها إيطاليا وإسبانيا.
وعلى المستوى الحكومي، وجب علينا الإشادة بمجهودات وقرارات حكومتنا الجريئة رغم أن وضع الوباء في المملكة لازال في مرحلته الأولى، وقد صرح مسؤول سابق في الكونغرس الأمريكي أن المغرب كان أفضل من أمريكا في تعامله مع وباء كوفيد-19.

ففي 5 أيام فقط أيضا، تقرر التالي واجتمع في هذه القرارات، في وقت قياسي، ما تفرّقَ في بلدان أخرى:
– إغلاق المجالين الجوي والبحري أمام المسافرين.
– إلغاء التجمعات والتظاهرات الرياضية والثقافية والدينية.
– إنشاء صندوق خاص بمواجهة الوباء بقيمة 10 مليارات درهم.
– تعليق الدراسة حتى إشعار آخر مع الاتجاه لوسائل التعلم عن بعد.
– إغلاق المساجد والمقاهي والمطاعم والحمامات وقاعات الأفراح.
– تعليق الجلسات بمختلف محاكم المملكة.
– تعقيم وسائل النقل العمومي وتخفيض عدد الركاب بها…إلخ
وكذا إجراءات أخرى من شأنها محاربة مختلف أشكال الاحتكار والزيادة في الأسعار
.

أما اقتصاديا، فحمولة وتداعيات الوباء على الاقتصاد المغربي ككل لن تكون سهلة، باعتباره حلقات مترابطة ومتصلة من عمليات إنتاجية واستهلاكية وادخارية واستثمارية تصب في بعضها البعض وتؤثر فيما بينها، ولكنها ستكون بحدة أكثر على مجالات دون أخرى، ونخص بالذكر قطاعي السياحة والخدمات.
ولمواكبة الظرفية الاستثنائية سيخصص جزء من ميزانية صندوق محاربة الوباء لإجراءات ستعمل على تخفيض العبء الاقتصادي على المقاولات المتضررة. وقد أقر رئيس البنك المركزي تخفيض سعر الفائدة ل 2% مشيرا إلى أن نسبة نمو الاقتصاد المغربي ستنخفض إلى 2.5%.ولكن تبقى سلامة المواطن المغربي أهم من صحة اقتصاده أيا كانت التداعيات.
وبالعودة إلى الجانب التضامني، فقد أبان أشخاص معنويون وذاتيون عن روح المواطنة والواجب تجاه هذا البلد العزيز، ففي ظرف يوم واحد وصل مجموع التبرعات الرسمية إلى 10,25 مليار درهم شملت تبرعات كل من المكتب الوطني للفوسفاط، الهولدينغ الملكي، إفريقيا للغاز، صندوق الحسن الثاني، البنك المغربي للتجارة الخارجية بأفريقيا، مجموعة أزورا، وجمعيات جهات المغرب، دون احتساب تبرعات الوزراء (كوزير الصناعة والاقتصاد الرقمي) والبرلمانيين ورؤساء الجامعات وهيئات العدل وآخرين، علاوة على مبادرات من إعلاميين وممثلين ولاعبين، نذكر منهم على سبيل المثال تكفل اللاعب المغربي حمد الله بألف أسرة مغربية.
أما فيما يخص المنزعجين من قرار إغلاق أبواب الجوامع مؤقتا، فأود أن أوضح لهم أن القرار لا يعني تعليق صلواتنا ودعواتنا، ولكنه إجراء طبيعي في ظرفية تستدعي التباعد الاجتماعي والحد من أي تجمعات محتملة. ودين الإسلام بسماحته وليونته وتجريمه قتل النفس بعمد يتماشى مع هذا التدبير الذي تم اتخاذه. قول هذا لا يتطلب أن يكون الفرد فقيها أو عالما بالدين أو ما شابه، يكفي أن يعي أن “الروح عزيزة عند الله”، وهو القائل في كتابه العزيز: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} – الآية 32 من سورة المائدة.

سنتجاوز المحنة أيا كانت مراحلها، قلّة المُعدات ومحدودية الطاقة الاستعابية لمستشفياتنا تنذر بكارثة، ولكن كثيرا من الوعي والحيطة والتضامن سيُثبتون لنا المعدن النفيس للشعب المغربي الأصيل والفطنة الكبيرة لمؤسسات الدولة كما حِـنكة القائمين عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *