صدفة أم ميعاد للاستيقاظ؟

  ” للطاعون حسناته أيضا، فهو يفتح العينين ويرغم على التفكير

 هذا ما قاله الفيلسوف والكاتب الفرنسي ألبير كامو – الذي حاز على جائزة نوبل كأصغر كاتب سنة 1957م – في أحد أشهر رواياته ”الطاعون” التي تؤرخ فترة الطاعون التي كانت قد أصابت العالم العربي خصوصاً. استهلينا تدوينتنا بهاته القولة الشهيرة لعلنا في هاته المحاولة نصل إلى رؤية تأملية نستجدي بها ماوراء البلاء، وبلاء الساعة الغني عن التعريف ”الكورونا“.

   من منا لم يتساءل بنية البحث عن الحقيقة أو بنية الفضول فقط، لماذا هذا التوقيت بالضبط؟ خطة مدبرة أم قدَر إلهي؟ هل سننجو أم إنها النهاية ؟
   في نظري لا فائدة ترجى من طرح أسئلة من هذا القبيل هنا و هناك، ولا فائدة من انتظار الإجابة الشافية، ما سيشفينا حقا هو إدراكنا التام أن البلاء قد أزال عن أعيننا الغمامة فمنا من جاءته الندامة ومنا من قد تدارك الموقف وهو الآن على شاطئ السلامة.
   ما نحن متأكدون منه اليوم أن العالم قبل هذا الداء لن يكون هو نفسه بعده وهذا على جميع الاصعدة والمستويات، لكن ما يهمنا دائما وأبدا هو المستوى الإنساني الذي كما قد يظهر لنا، قد طاله تراجع مهول مع سباق الزمن والصراع نحو البقاء حيث الصراع نحو القوة والطغيان، صراع غالبا ما يخرج بجثث حية، تتنفس ولكن روحها لا تحس بالحياة.

   ياترى ماذا تقول لنا الحياة بهذا الحدث المؤلم؟ ما الرسالة المهمة التي لم تستطع إيصالها إلا برؤية الألم في العالم؟ أما كان للحياة أن ترى طريقة أخرى مثلا؟ منا من سيقول أنه امتحان استدراكي بعد فشلنا الذريع في الامتحانات السابقة، منا من يؤمن أنها فرصة لمراجعة المرء لذاته والغوص في خبايا الروح وغياهب النفس حتى نتدبر ونتفكر، ومنا من هو متيقن بدون مناقشة حتى، أن البلاء غضب الله على العالمين بعد أن بلغ الفساد مبلغه، وآخرون قد صدقوا أن الطبيعة تدافع عن نفسها بعد أن تحملت من الإنسان ما تحملت… قد تكثر الفرضيات والتأويلات ولكن الحقيقة الإنسانية واحدة، حقيقةُ أنه لا استغناء عن الثروة البشرية، حقيقةُ أنه لا استغناء عن العلم، حقيقة أنه لا استغناء عن الفن الهادف ذو الرسالة الهادفة. ولا ننسى أيضا حقيقة أن الكورونا تخبر دول العالم أيضا مِن أفقرها حتى أغناها أنه وجب إعادة ترتيب أوراقها بعد أن اختلط كل شيء حتى أصبحنا نرى إهدار الإمكانيات فيما لا ينفع.
سيذهب الكورونا وسيأتي داء آخر كما قد مر الكثير في السابق، ما يهم هو من أنت اليوم، ماذا كنت وماذا ستصبح بعد الازمة، ماذا قدمت وماذا ستقدم للبشرية، هل تعلمت شيئا أم أن الوباء لم يحرك فيك ساكنا؟ هل تدبرت أم أنك بحاجة لصفعة أخرى من الحياة؟ سيمر بسلام ويتركنا مع ضمائرنا، وإن لم يغير فينا شيئا، في كل فرد فينا ولو شيئا بسيطا فالوباء على هاته الأرض هو نحن، أفعالنا، أقوالنا، أفكارنا وما نكنه اتجاه الأنا والغير، الوباء على وجه البسيطة سيكون حتما نحن وليس الكورونا.

   وأخيرا، إن كان كورونا فيلما هوليوديا، بوليوديا أو حتى نوليوديا فلا يهم، لأنه وبالتأكيد يستحق المشاهدة عن جدارة لما قد يحمله من رسائل إنسانية مهمة، وإن كان رواية فإنها حتما تستحق نوبل لأنها ربما خير من ألف كتاب تجاري فارغ من أي معنى، وبين هذا و ذاك و كثرة التخمينات فإنه وبلا شك قد استيقظنا بعد أن طال سباتنا الإنساني، وإنه وبلا شك قد أبصرنا النور بعد ما كنا عميانا.

صفاء العمراني

مرحبا,انا استاذة انجليزية, يشرفني كتابة هاته الكلمات لاعبرعن مدى تحمسي لخوض التجربة في مدونتكم كمحبة للتدوين و الكتابة.شكرا على هاته الفسحة و على قبولي بينكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *